يدلّ على الاقتصاد والتعفّف عن المسألة.
وقال النخعي ، وروي عن ابن عباس : من كان من الأوصياء غنيّا فليستعفف بماله ولا يتوسّع بمال محجوره ومن كان فقيرا فإنّه يقتّر على نفسه لئلا يمدّ يده إلى مال يتيمه. واستحسنه النحاس والكيا الطبري (١) في أحكام القرآن.
(فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).
تفريع عن قوله (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) وهو أمر بالإشهاد عند الدفع ، ليظهر جليّا ما يسلمه الأوصياء لمحاجيرهم ، حتى يمكن الرجوع عليهم يوما ما بما يطّلع عليه ممّا تخلّف عند الأوصياء ، وفيه براءة للأوصياء أيضا من دعاوي المحاجير من بعد. وحسبك بهذا التشريع قطعا للخصومات.
والأمر هنا يحتمل الوجوب ويحتمل الندب ، وبكلّ قالت طائفة من العلماء لم يسمّ أصحابها : فإن لوحظ ما فيه من الاحتياط لحقّ الوصيّ كان الإشهاد مندوبا لأنّه حقّه فله أن لا يفعله ، وإن لوحظ ما فيه من تحقيق مقصد الشريعة من رفع التهارج وقع الخصومات ، كان الإشهاد واجبا نظير ما تقدّم في قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) [البقرة : ٢٨٢] وللشريعة اهتمام بتوثيق الحقوق لأنّ ذلك أقوم لنظام المعاملات. وأياما كان فقد جعل الله الوصيّ غير مصدّق في الدفع إلّا ببينة عند مالك قال ابن الفرس : لو لا أنّه يضمن إذا أنكره المحجور لم يكن للأمر بالتوثّق فائدة ، ونقل الفخر عن الشافعي موافقة قول مالك ، إلّا أنّ الفخر احتجّ بأنّ ظاهر الأمر للوجوب وهو احتجاج واه لأنّه لا أثر لكون الأمر للوجوب أو للندب في ترتّب حكم الضمان ، إذ الضمان من آثار خطاب الوضع ، وسببه هو انتفاء الإشهاد ، وأمّا الوجوب والندب فمن خطاب التكليف وأثرهما العقاب والثواب. وقال أبو حنيفة : هو مصدّق بيمينه لأنّه عدّه أمينا ، وقيل: لأنّه رأى الأمر للندب. وقد علمت أنّ محمل الأمر بالإشهاد لا يؤثّر في حكم الضمان. وجاء بقوله : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) تذييلا لهذه الأحكام كلها ، لأنّها وصيّات وتحريضات فوكل
__________________
(١) هو علي بن علي الطّبري ـ نسبة إلى طبرستان كورة قرب الري ـ الملقب الكيا الطبري ويقال الكيا الهرّاسي ـ والكيا بهمزة مكسورة في أوله فكاف مكسورة ، معناه الكبير بلغة الفرس. والهراسي بفتح الهاء وتشديد الراء نسبة إلى الهريسة إمّا إلى بيعها أو صنعها. الشافعي ولد سنة ٤٥٠ وتوفّي في بغداد سنة ٥٠٤.