على ما حرموا منه من مال الميّت كما كانوا في الجاهلية.
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩))
موعظة لكلّ من أمر أو نهي أو حذر أو رغب في الآي السابقة ، في شأن أموال اليتامى وأموال الضعاف من النساء والصبيان ، فابتدئت الموعظة بالأمر بخشية الله تعالى أي خشية عذابه ، ثم أعقب بإثارة شفقة الآباء على ذرّيتهم بأن ينزّلوا أنفسهم منزلة الموروثين ، الذين اعتدوا هم على أموالهم ، وينزّلوا ذرّياتهم منزلة الذريّة الذين أكلوا هم حقوقهم ، وهذه الموعظة مبنية على قياس قول النبي صلىاللهعليهوسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفس» وزاد إثارة الشفقة التنبيه على أنّ المعتدي عليهم خلق ضعاف بقوله : (ضِعافاً) ، ثم أعقب بالرجوع إلى الغرض المنتقل منه وهو حفظ أموال اليتامى ، بالتهديد على أكله بعذاب الآخرة بعد التهديد بسوء الحال في الدنيا. فيفهم من الكلام تعريض بالتهديد بأنّ نصيب أبناءهم مثل ما فعلوه بأبناء غيرهم والأظهر أنّ مفعول (يخش) حذف لتذهب نفس السامع في تقديره كلّ مذهب محتمل ، فينظر كلّ سامع بحسب الأهم عنده ممّا يخشاه أن يصيب ذرّيّته.
وجملة (لَوْ تَرَكُوا) إلىخافُوا عَلَيْهِمْ) صلة الموصول ، وجملة (خافُوا عَلَيْهِمْ) جواب (لَوْ).
وجيء بالموصول لأنّ الصلة لمّا كانت وصفا مفروضا حسن التعريف بها إذ المقصود تعريف من هذه حاله ، وذلك كاف في التعريف للمخاطبين بالخشية إذ كلّ سامع يعرف مضمون هذه الصلة لو فرض حصولها له ، إذ هي أمر يتصوّره كلّ الناس.
ووجه اختيار (لَوْ) هنا من بين أدوات الشرط أنّها هي الأداة الصالحة لفرض الشرط من غير تعرّض لإمكانه ، فيصدق معها الشرط المتعذّر الوقوع والمستبعدة والممكنة : فالذين بلغوا اليأس من الولادة ، ولهم أولاد كبار أو لا أولاد لهم ، يدخلون في فرض هذا الشرط لأنّهم لو كان لهم أولاد صغار لخافوا عليهم ، والذين لهم أولاد صغار أمرهم أظهر.
وفعل (تَرَكُوا) ماض مستعمل في مقاربة حصول الحدث مجازا بعلاقة الأول ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) [البقرة : ٢٤٠] وقوله تعالى : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [الشعراء : ٢٠١] وقول الشاعر: