بيّن الله في هذه الآيات فروض الورثة ، وناط الميراث كلّه بالقرابة القريبة ، سواء كانت جبلّية وهي النسب ، أو قريبة من الجبلّية ، وهي عصمة الزوجية ، لأنّ طلب الذكر للأنثى جبليّ ، وكونها المرأة المعيّنة يحصل بالإلف ، وهو ناشئ عن الجبلّة. وبيّن أهل الفروض ولم يبيّن مرجع المال بعد إعطاء أهل الفروض فروضهم ، وذلك لأنّه تركه على المتعارف عندهم قبل الإسلام من احتواء أقرب العصبة على مال الميّت ، وقد بيّن هذا المقصد قول النبيصلىاللهعليهوسلم «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر».
ألا ترى قوله تعالى بعد هذا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) فلم يبيّن حظّ الأب ، لأنّ الأب في تلك الحالة قد رجع إلى حالته المقرّرة ، وهي احتواء المال فاحتيج إلى ذكر فرض الأم.
وابتدأ الله تعالى بميراث الأبناء لأنّهم أقرب الناس.
والأولاد جمع ولد بوزن فعل مثل أسد ووثن ، وفيه لغة ولد ـ بكسر الواو وسكون اللام ـ وكأنه حينئذ فعل الذي بمعنى المفعول كالذّبح والسّلخ. والولد اسم للابن ذكرا كان أو أنثى ، ويطلق على الواحد وعلى الجماعة من الأولاد ، والوارد في القرآن بمعنى الواحد وجمعه أولاد.
و (فِي) هنا للظرفية المجازية ، جعلت الوصية كأنّها مظروفة في شأن الأولاد لشدّة تعلّقها به كاتّصال المظروف بالظرف ، ومجرورها محذوف قام المضاف إليه مقامه ، لظهور أنّ ذوات الأولاد لا تصلح ظرفا للوصيّة ، فتعيّن تقدير مضاف على طريقة دلالة الاقتضاء ، وتقديره : في إرث أولادكم ، والمقام يدلّ على المقدّر على حدّ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] فجعل الوصيّة مظروفة في هذا الشأن لشدّة تعلقها به واحتوائه عليها.
وجملة : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) بيان لجملة (يُوصِيكُمُ) لأنّ مضمونها هو معنى مضمون الوصية ، فهي مثل البيان في قوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ) وتقديم الخبر على المبتدأ في هذه الجملة للتنبيه من أوّل الأمر على أنّ الذكر صار له شريك في الإرث وهو الأنثى لأنّه لم يكن لهم به عهد من قبل إذ كان الذكور يأخذون المال الموروث كلّه ولا حظّ للإناث ، كما تقدّم آنفا في تفسير قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [النساء : ٧].
وقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) جعل حظّ الأنثيين هو المقدار الذي يقدّر به حظّ