أي تقتسمون المال على حسب تلك الأنصباء لكلّ نصيبه حالة كونه من بعد وصيّة أو دين.
وجيء بقوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) بعد ذكر صنفين من الفرائض : فرائض الأبناء ، وفرائض الأبوين ، لأنّ هذين الصنفين كصنف واحد إذ كان سببهما عمود النسب المباشر. والمقصد هنا التنبيه على أهمّية الوصيّة وتقدّمها. وإنّما ذكر الدين بعدها تتميما لما يتعيّن تقديمه على الميراث مع علم السامعين أنّ الدين يتقدّم على الوصيّة أيضا لأنّه حقّ سابق في مال الميّت ، لأنّ المدين لا يملك من ماله إلّا ما هو فاضل عن دين دائنه. فموقع عطف (أَوْ دَيْنٍ) موقع الاحتراس ، ولأجل هذا الاهتمام كرّر الله هذا القيد أربع مرات في هذه الآيات.
ووصف الوصية بجملة (يُوصِي بِها) لئلا يتوهّم أنّ المراد الوصيّة التي كانت مفروضة قبل شرع الفرائض ، وهي التي في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : ١٨٠]. وقرأ الجمهور : (يُوصِي بِها) في الموضعين في هذه الآية ـ بكسر الصاد ـ والضمير عائد إلى معلوم من الكلام وهو الميّت ، كما عاد ضمير (ما تَرَكَ) [النساء : ٧] وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، في الموضعين أيضا : يوصى ـ بفتح الصاد ـ مبنيا للنائب أي يوصى بها موص.
(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) ختم هذه الفرائض المتعلّقة بالأولاد والوالدين ، وهي أصول الفرائض بقوله : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) الآية ، فهما إمّا مسند إليهما قدّ ما للاهتمام ، وليتمكّن الخبر في ذهن السامع إذ يلقي سمعه عند ذكر المسند إليهما بشراشره ، وإمّا أن تجعلهما خبرين عن مبتدأ محذوف هو المسند إليه ، على طريقة الحذف المعبّر عنه عند علماء المعاني بمتابعة الاستعمال ، وذلك عند ما يتقدّم حديث عن شيء ثم يراد جمع الخبر عنه كقول الشاعر :
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه |
|
ولا مظهر الشكوى إذا النعل وزلّت |
بعد قوله :
سأشكر عمرا إن تدانت منيّتي |
|
أيادي لم تمنن وإن هي جلّت |
أي : المذكورون آباؤكم وأبناؤكم لا شكّ في ذلك. ثم قال : (لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) فهو إما مبتدأ وإما حال ، بمعنى أنهم غير مستوين في نفعكم متفاوتون تفاوتا