والجمع في (أَزْواجُكُمْ) وفي قوله : (مِمَّا تَرَكْتُمْ) كالجمع في الأولاد والآباء ، مراد به تعدّد أفراد الوارثين من الأمّة ، وهاهنا قد اتّفقت الأمّة عى أنّ الرجل إذا كانت له زوجات أنهنّ يشتركن في الربع أو في الثمن من غير زيادة لهنّ ، لأنّ تعدّد الزوجات بيد صاحب المال فكان تعددهنّ وسيلة لإدخال المضرّة على الورثة الآخرين بخلاف تعدّد البنات والأخوات فإنّه لا خيار فيه لربّ المال. والمعنى : ولكلّ واحد منكم نصف ما تركت كلّ زوجة من أزواجه وكذلك قوله : (فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ).
وقوله : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) أي لمجموعهنّ الربع ممّا ترك زوجهنّ. وكذلك قوله : (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) وهذا حذق يدلّ عليه إيجاز الكلام.
وأعقبت فريضة الأزواج بذكر (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ) لئلا يتوهّم متوهّم أنّهنّ ممنوعات من الإيصاء ومن التداين كما كان الحال في زمان الجاهلية. وأمّا ذكر تلك الجملة عقب ذكر ميراث النساء من رجالهنّ فجريا على الأسلوب المتّبع في هذه الآيات ، وهو أن يعقب كلّ صنف من الفرائض بالتنبيه على أنّه لا يستحقّ إلّا بعد إخراج الوصيّة وقضاء الدين.
(وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ).
بعد أن بيّن ميراث ذي الأولاد أو الوالدين وفصّله في أحواله حتّى حالة ميراث الزوجين ، انتقل هنا إلى ميراث من ليس له ولد ولا والد ، وهو الموروث كلالة ، ولذلك قابل بها ميراث الأبوين.
والكلالة اسم للكلال وهو التعب والإعياء قال الأعشى :
فآليت لا أرثي لها من كلالة |
|
ولا من حفى حتّى ألاقي محمّدا |
وهو اسم مصدر لا يثنّى ولا يجمع.
ووصفت العرب بالكلالة القرابة غير القربى ، كأنّهم جعلوا وصوله لنسب قريبه عن بعد ، فأطلقوا عليه الكلالة على طريق الكناية واستشهدوا له بقول من لم يسمّوه :
فإنّ أبا المرء أحمى له |
|
ومولى الكلالة لا يغضب |