وعلى قول ابن عباس في تفسير الكلالة لا يتعيّن أن يكون المراد بالأخ والأخت اللذين للأمّ إذ قد يفرض للإخوة الأشقّاء نصيب هو الثلث ويبقى الثلثان لعاصب أقوى وهو الأب في بعض صور الكلالة غير أنّ ابن عباس وافق الجمهور على أنّ المراد بالأخ والأخت اللذان للأمّ وكان سبب ذلك عنده أنّ الله أطلق الكلالة وقد لا يكون فيها أب فلو كان المراد بالأخ والأخت الشقيقين أو اللذين للأب لأعطيناهما الثلث عند عدم الأب وبقي معظم المال لمن هو دون الإخوة في التعصيب فهذا فيما أرى هو الذي حدا سائر الصحابة والفقهاء إلى حمل الأخ والأخت على الذين للأمّ. وقد ذكر الله تعالى الكلالة في آخر السورة بصورة أخرى سنتعرّض لها.
(غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).
(غَيْرَ مُضَارٍّ) حال من ضمير (يُوصى) الأخير ، ولمّا كان فعل يوصي تكريرا ، كان حالا من ضمائر نظائره.
و (مُضَارٍّ) الأظهر أنّه اسم فاعل بتقدير كسر الراء الأولى المدغمة أي غير مضارّ ورثته بإكثار الوصايا ، وهو نهي عن أن يقصد الموصي من وصيته الإضرار بالورثة. والإضرار منه ما حدّده الشرع ، وهو أن يتجاوز الموصي بوصيّته ثلث ماله وقد حدّده النبيصلىاللهعليهوسلم بقوله لسعد بن أبي وقّاص «الثلث والثلث كثير». ومنه ما يحصل بقصد الموصي بوصيته الإضرار بالوارث ولا يقصد القربة بوصيّته ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ). ولمّا كانت نيّة الموصي وقصده الإضرار لا يطلع عليه فهو موكول لدينه وخشية ربّه ، فإن ظهر ما يدلّ على قصده الإضرار دلالة واضحة ، فالوجه أن تكون تلك الوصيّة باطلة لأنّ قوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ) نهي عن الإضرار ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
ويتعيّن أن يكون هذا القيد مقيّدا للمطلق في الآي الثلاث المتقدّمة من قوله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) إلخ ، لأنّ هذه المطلقات متّحدة الحكم والسبب. فيحمل المطلق منها على المقيّد كما تقرّر في الأصول.
وقد أخذ الفقهاء من هذه الآية حكم مسألة قصد المعطي من عطيّته الإضرار بوارثه في الوصيّة وغيرها من العطايا ، والمسألة مفروضة في الوصيّة خاصّة. وحكى ابن عطية عن مذهب مالك وابن القاسم أنّ قصد المضارّة في الثلث لا تردّ به الوصيّة لأنّ الثلث حقّ جعله الله له فهو على الإباحة في التصرّف فيه. ونازعه ابن عرفة في التفسير بأنّ ما في