غزوة بني المطلق على الصحيح ، والحكم الثابت في سورة النور أشدّ من العقوبة المذكورة هنا ، ولا جائز أن يكون الحدّ الذي في سورة النور قد نسخ بما هنا لأنّه لا قائل به. فإذا مضينا على معتادنا في اعتبار الآي نازلة على ترتيبها في القراءة في سورها ، قلنا إنّ هذه الآية نزلت في سورة النساء عقب أحكام المواريث وحراسة أموال اليتامى ، وجعلنا الواو عاطفة هذا الحكم على ما تقدّم من الآيات في أوّل السورة بما يتعلّق بمعاشرة النساء ، كقوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء : ٤] وجزمنا بأنّ أوّل هذه السورة نزل قبل أوّل سورة النور ، وأنّ هذه العقوبة كانت مبدأ شرع العقوبة على الزنا فتكون هاته الآية منسوخة بآية سورة النور لا محالة ، كما يدلّ عليه قوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) قال ابن عطية : أجمع العلماء على أنّ هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور. ا ه ، وحكى ابن الفرس في ترتيب النسخ أقوالا ثمانية لا نطيل بها. فالواو عاطفة حكم تشريع عقب تشريع لمناسبة : هي الرجوع إلى أحكام النساء ، فإنّ الله لمّا ذكر أحكاما من النكاح إلى قوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) وما النكاح إلّا اجتماع الرجل والمرأة على معاشرة عمادها التأنّس والسكون إلى الأنثى ، ناسب أن يعطف إلى ذكر أحكام اجتماع الرجل بالمرأة على غير الوجه المذكور فيه شرعا ، وهو الزنا المعبّر عنه بالفاحشة.
فالزنا هو أن يقع شيء من تلك المعاشرة على غير الحال المعروف المأذون فيه ، فلا جرم أن كان يختلف باختلاف أحوال الأمم والقبائل في خرق القوانين المجعولة لإباحة اختصاص الرجل بالمرأة.
ففي الجاهلية كان طريق الاختصاص بالمرأة السبي أو الغارة أو التعويض أو رغبة الرجل في مصاهرة قوم ورغبتهم فيه أو إذن الرجل امرأته بأن تستبضع من رجل ولدا كما تقدّم.
وفي الإسلام بطلت الغارة وبطل الاستبضاع ، ولذلك تجد الزنا لا يقع إلّا خفية لأنّه مخالفة لقوانين الناس في نظامهم وأخلاقهم. وسمّي الزنا الفاحشة لأنّه تجاوز الحدّ في الفساد وأصل الفحش الأمر الشديد الكراهية والذمّ ، من فعل أو قول ، أو حال ولم أقف على وقوع العمل بهاتين الآيتين قبل نسخهما.
ومعنى : (يَأْتِينَ) يفعلن ، وأصل الإتيان المجيء إلى شيء فاستعير هنا الإتيان لفعل شيء لأنّ فاعل شيء عن قصد يشبه السائر إلى مكان حتّى يصله ، يقال : أتى الصلاة ، أي صلاها ، وقال الأعشى :