يطلّقوهنّ رغبة في أن يمتن عندهم فيرثوهنّ ، فذلك إكراه لهنّ على البقاء على حالة الكراهية ، إذ لا ترضى المرأة بذلك مختارة ، وعلى هذا فالنساء مراد به جمع امرأة ، وقرأ الجمهور : كرها ـ بفتح الكاف ـ وقرأه حمزة ، والكسائي وخلف ـ بضم الكاف ـ وهما لغتان.
(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ).
عطف النهي عن العضل على النهي عن إرث النساء كرها لمناسبة التماثل في الإكراه وفي أنّ متعلّقه سوء معاملة المرأة ، وفي أنّ العضل لأجل أخذ مال منهنّ.
والعضل : منع وليّ المرأة إيّاها أن تتزوّج ، وقد تقدّم الكلام عليه عند قوله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) في سورة البقرة [٢٣٢].
فإن كان المنهي عنه في قوله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) هو المعنى المتبادر من فعل (تَرِثُوا) ، وهو أخذ مال المرأة كرها عليها ، فعطف (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) إمّا عطف خاصّ على عامّ ، إن أريد خصوص منع الأزواج نساءهم من الطلاق مع الكراهية ، رغبة في بقاء المرأة عنده حتّى تموت فيرث منها مالها ، أو عطف مباين إن أريد النهي عن منعها من الطلاق حتّى يلجئها إلى الافتداء منه ببعض ما آتاها ، وأيّا ما كان فإطلاق العضل على هذا الإمساك مجاز باعتبار المشابهة لأنّها كالتي لا زوج لها ولم تتمكّن من التزوّج.
وإن كان المنهي عنه في قوله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ) المعنى المجازي لترثوا وهو كون المرأة ميراثا ، وهو ما كان يفعله أهل الجاهلية في معاملة أزواج أقاربهم وهو الأظهر فعطف (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) عطف حكم آخر من أحوال المعاملة ، وهو النهي عن أن يعضل الوليّ المرأة من أن تتزوّج لتبقى عنده فإذا ماتت ورثها ، ويتعيّن على هذا الاحتمال أن يكون ضمير الجمع في قوله : (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) راجعا إلى من يتوقّع منه ذلك من المؤمنين وهم الأزواج خاصّة ، وهذا ليس بعزيز أن يطلق ضمير صالح للجمع ويراد منه بعض ذلك الجمع بالقرينة ، كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] أي لا يقتل بعضكم أخاه ، إذ قد يعرف أنّ أحدا لا يقتل نفسه ، وكذلك (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] أي يسلم الداخل على الجالس. فالمعنى : ليذهب بعضكم ببعض ما آتاهنّ بعضكم ، كأن يريد الوليّ أن يذهب في ميراثه ببعض مال مولاته الذي ورثته من أمّها أو قريبها أو من زوجها ، فيكون في الضمير توزيع. وإطلاق العضل على هذا المعنى