حقيقة. والذهاب في قوله : (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) مجاز في الأخذ ، كقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] ، أي أزاله.
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
ليس إتيانهنّ بفاحشة مبيّنة بعضا ممّا قبل الاستثناء لا من العضل ولا من الإذهاب ببعض المهر. فيحتمل أن يكون الاستثناء متّصلا استثناء من عموم أحوال الفعل الواقع في تعليل النهي ، وهو إرادة الإذهاب ببعض ما آتوهنّ ، لأنّ عموم الأفراد يستلزم عموم الأحوال ، أي إلّا حال الإتيان بفاحشة فيجوز إذهابكم ببعض ما آتيتموهنّ. ويحتمل أن يكون استثناء منقطعا في معنى الاستدراك ، أي لكن إتيانهنّ بفاحشة يحلّ لكم أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ ، فقيل : هذا كان حكم الزوجة التي تأتي بفاحشة وأنّه نسخ بالحدّ. وهو قول عطاء.
والفاحشة هنا عند جمهور العلماء هي الزنا ، أي أنّ الرجل إذا تحقّق زنى زوجه فله أن يعضلها ، فإذا طلبت الطلاق فله أن لا يطلّقها حتّى تفتدي منه ببعض صداقها ، لأنّها تسبّبت في بعثرة حال بيت الزوج ، وأحوجته إلى تجديد زوجة أخرى ، وذلك موكول لدينه وأمانة الإيمان. فإن حاد عن ذلك فللقضاة حمله على الحقّ. وإنّما لم يجعل المفاداة بجميع المهر لئلا تصير مدّة العصمة عريّة عن عوض مقابل ، هذا ما يؤخذ من كلام الحسن. وأبي قلابة ، وابن سيرين وعطاء ؛ لكن قال عطاء : هذا الحكم نسخ بحدّ الزنا وباللعان ، فحرّم الإضرار والافتداء.
وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، والضحّاك ، وقتادة : الفاحشة هنا البغض والنشوز ، فإذا نشزت جاز له أن يأخذ منها. قال ابن عطيّة : وظاهر قول مالك بإجازة أخذ الخلع عن الناشز يناسب هذا إلّا أنّي لا أحفظ لمالك نصّا في الفاحشة في هذه الآية.
وقرأ الجمهور : مبيّنة ـ بكسر التحتية ـ اسم فاعل من بيّن اللازم بمعنى تبيّن ، كما في قولهم في المثل «بيّن الصبح لذي عينين». وقرأه ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف ـ بفتح التحتية ـ اسم مفعول من بيّن المتعدي أي بيّنها وأظهرها بحيث أشهد عليهنّ بها.
(عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)