بين رجل وزوج أبيه ممّا كان قبل نزول الآية ، ولا على تعيين قائل هذا القول ، ولعل الناس قد بادروا إلى فراق أزواج الآباء عند نزول هذه الآية.
وقد تزوّج قبل الإسلام كثير أزواج آبائهم : منهم عمر بن أمية بن عبد شمس ، خلف على زوج أبيه أميّة كما تقدّم ، ومنهم صفوان بن أمية بن خلف تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد ، ومنهم منظور بن ريان بن سيار ، تزوّج امرأة أبيه ملكية بنت خارجة ، ومنهم حصن بن أبي قيس ، تزوّج بعد أبي قيس زوجه ، ولم يرو أنّ أحدا من هؤلاء أسلم وقرّر على نكاح زوج أبيه.
وجوّزوا أن يكون الاستثناء من لازم النهي وهو العقوبة أي لا عقوبة على ما قد سلف. وعندي أنّ مثل هذا ظاهر للناس فلا يحتاج للاستثناء ، ومتى يظنّ أحد المؤاخذة عن أعمال كانت في الجاهلية قبل مجيء الدين ونزول النهي.
وقيل : هو من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه : أي إن كنتم فاعلين منه فانكحوا ما قد سلف من نساء الآباء البائدة ، كأنّه يوهم أنه يرخّص لهم بعضه ، فيجد السامع ما رخّص له متعذّرا فيتأكّد النهي كقول النابغة :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
وقولهم (حتّى يئوب القارظان) و (حتّى يشيب الغراب) وهذا وجه بعيد في آيات التشريع.
والظاهر أنّ قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) قصد منه بيان صحّة ما سلف من ذلك في عهد الجاهلية ، وتعذّر تداركه الآن ، لموت الزوجين ، من حيث إنّه يترتّب عليه. ثبوت أنساب ، وحقوق مهور ومواريث ، وأيضا بيان تصحيح أنساب الذين ولدوا من ذلك النكاح ، وأنّ المسلمين انتدبوا للإقلاع عن ذلك اختيارا منهم ، وقد تأوّل سائر المفسّرين قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) بوجوه ترجع إلى التجوّز في معنى الاستثناء أو في معنى : (ما نَكَحَ) ، حملهم عليها أنّ نكاح زوج الأب لم يقرّره الإسلام بعد نزول الآية ، لأنّه قال : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) أي ومثل هذا لا يقرّر لأنّه فاسد بالذات.
والمقت اسم سمّت به العرب نكاح زوج الأب فقالوا نكاح المقت أي البغض ، وسمّوا فاعل ذلك الضيزن ، وسمّوا الابن من ذلك النكاح مقيتا.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ