أنّها تخرج إلى كلّ موضع يرسلها أهلها إليه لا تقدر على الامتناع من ذلك ، فتصير إلى حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور ، قالوا : فكان يرى أن لا حدّ عليها إذا فجرت ما لم تتزوّج ، وكأنّه رأى أنّها إذا تزوّجت فقد منعها زوجها. وقوله هذا وإن كان غير المشهور عنه ، ولكنّنا ذكرناه لأنّ فيه للمتبصّر بتصريف الشريعة عبرة في تغليظ العقوبة بمقدار قوّة الخيانة وضعف المعذرة.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب : (أُحْصِنَ) ـ بضمّ الهمزة وكسر الصاد ـ مبنيّا للنائب ، وهو بمعنى محصنات ـ المفتوح الصاد. وقرأه حمزة ، والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، وخلف : بفتح الهمزة وفتح الصاد ، وهو معنى محصنات ـ بكسر الصاد ـ.
وقوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) إشارة إلى الحكم الصالح لأن يتقيّد بخشية العنت ، وذلك الحكم هو نكاح الإماء.
والعنت : المشقّة ، قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] وأريد به هنا مشقّة العزبة التي تكون ذريعة إلى الزنا ، فلذلك قال بعضهم : أريد العنت الزنا.
وقوله : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي إذا استطعتم الصبر مع المشقّة إلى أن يتيسّر له نكاح الحرّة فذلك خير ، لئلا يوقع أبناءه في ذلّ العبودية المكروهة للشارع لو لا الضرورة ، ولئلا يوقع نفسه في مذلّة تصرّف الناس في زوجه.
وقوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إن خفتم العنت ولم تصبروا عليه ، وتزوّجتم الإماء ، وعليه فهو مؤكّد لمعنى الإباحة. مؤذن بأنّ إباحة ذلك لأجل رفع الحرج ، لأنّ الله رحيم بعباده. غفور فالمغفرة هنا بمعنى التجاوز عمّا ما يقتضي مقصد الشريعة تحريمه ، فليس هنا ذنب حتّى يغفر.
(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦))
تذييل يقصد منه استئناس المؤمنين واستنزال نفوسهم إلى امتثال الأحكام المتقدّمة من أوّل السورة إلى هنا ، فإنّها أحكام جمّة وأوامر ونواه تفضي إلى خلع عوائد ألفوها ، وصرفهم عن شهوات استباحوها ، كما أشار إليه قوله بعد هذا (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ