وذلك الفعل مقدّر بالمصدر دون سابك على حدّ «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» أي إرادة الله كائنة للبيان ، ولعلّ الكلام عندهم محمول على المبالغة كأنّ إرادة الله انحصرت في ذلك. وقالت طائفة قليلة : هذه اللّام للتقوية على خلاف الأصل ، لأنّ لام التقوية إنّما يجاء بها إذا ضعف العامل بالفرعية أو بالتأخّر. وأحسن الوجوه قول سيبويه ، بدليل دخول اللام على كي في قول قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي.
أردت لكيما يعلم الناس أنّها |
|
سراويل قيس والوفود شهود |
وعن النحّاس أنّ بعض القرّاء سمّى هذه اللّام لام (أن).
ومعنى (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الهداية إلى أصول ما صلح به حال الأمم التي سبقتنا ، من كليات الشرائع ، ومقاصدها. قال الفخر : «فإن الشرائع والتكاليف وإن كانت مختلفة في نفسها ، إلّا أنّها متّفقة في باب المصالح». قلت : فهو كقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) الآية.
وقوله : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي يتقبّل توبتكم ، إذ آمنتم ونبذتم ما كان عليه أهل الشرك من نكاح أزواج الآباء ، ونكاح أمّهات نسائكم ، ونكاح الربائب ، والجمع بين الأختين.
ومعنى : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) يقبل توبتكم الكاملة باتّباع الإسلام ، فلا تنقضوا ذلك بارتكاب الحرام. وليس معنى (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) يوفّقكم للتوبة ، فيشكل بأنّ مراد الله لا يتخلّف ، إذ ليس التوفيق للتوبة بمطّرد في جميع الناس. فالآية تحريض على التوبة بطريق الكناية لأنّ الوعد بقبولها يستلزم التحريض عليها مثل ما في الحديث : «فيقول هل من مستغفر فأغفر له ، هل من داع فأستجيب له» هذا هو الوجه في تفسيرها ، وللفخر وغيره هنا تكلّفات لا داعي إليها.
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) مناسب للبيان والهداية والترغيب في التوبة بطريق الوعد بقبولها ، فإنّ كلّ ذلك أثر العلم والحكمة في إرشاد الأمّة وتقريبها إلى الرشد.
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧))
كرّر قوله : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) ليرتّب عليه قوله : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) فليس بتأكيد لفظي ، وهذا كما يعاد اللفظ في الجزاء