بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٨].
والّذي يستخلص من الفقه في مسألة الحكم بين غير المسلمين دون تحكيم : أنّ الأمّة أجمعت على أنّ أهل الذمّة داخلون تحت سلطان الإسلام ، وأنّ عهود الذمّة قضت بإبقائهم على ما تقتضيه مللهم في الشئون الجارية بين بعضهم مع بعض بما حددت لهم شرائعهم. ولذلك فالأمور الّتي يأتونها تنقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأوّل : ما هو خاصّ بذات الذمّيّ من عبادته كصلاته وذبحه وغيرها ممّا هو من الحلال والحرام. وهذا لا اختلاف بين العلماء في أنّ أئمّة المسلمين لا يتعرّضون لهم بتعطيله إلّا إذا كان فيه فساد عامّ كقتل النّفس.
القسم الثّاني : ما يجري بينهم من المعاملات الراجعة إلى الحلال والحرام في الإسلام ، كأنواع من الأنكحة والطلاق وشرب الخمر والأعمال الّتي يستحلّونها ويحرّمها الإسلام. وهذه أيضا يقرّون عليها ، قال مالك : لا يقام حدّ الزنا على الذميّين ، فإن زنى مسلم بكتابية يحدّ المسلم ولا تحدّ الكتابية. قال ابن خويزمنداد : ولا يرسل الإمام إليهم رسولا ولا يحضر الخصم مجلسه.
القسم الثّالث : ما يتجاوزهم إلى غيرهم من المفاسد كالسرقة والاعتداء على النفوس والأعراض. وقد أجمع علماء الأمّة على أنّ هذا القسم يجري على أحكام الإسلام ، لأنّا لم نعاهدهم على الفساد ، وقد قال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] ، ولذلك نمنعهم من بيع الخمر للمسلمين ومن التظاهر بالمحرّمات.
القسم الرّابع : ما يجري بينهم من المعاملات الّتي فيها اعتداء بعضهم على بعض : كالجنايات ، والديون ، وتخاصم الزوجين. فهذا القسم إذا تراضوا فيه بينهم لا نتعرّض لهم ، فإن استعدى أحدهم على الآخر بحاكم المسلمين. فقال مالك : يقضي الحاكم المسلم بينهم فيه وجوبا ، لأنّ في الاعتداء ضربا من الظلم والفساد ، وكذلك قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمّد ، وزفر. وقال أبو حنيفة : لا يحكم بينهم حتّى يتراضى الخصمان معا.
(وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣))