ومنه قول تعالى عن زليخا (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣] لأنّ تهيّؤها له غريب لا يخطر ببال يوسف فلا يدري ما أرادت فقالت له (هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣] ، إذا كان (هيت) اسم فعل مضي بمعنى تهيّأت ، ومثل قوله تعالى هنا : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). وقد يكون المقصود معلوما فيخشى خفاؤه فيؤتى باللام لزيادة البيان نحو (حاشَ لِلَّهِ) [يوسف : ٥١] ، وهي حينئذ جديرة باسم لام التبيين ، كالداخلة إلى المواجه بالخطاب في قولهم : سقيا لك ورعيا ، ونحوهما ، وفي قوله : (هَيْتَ) [يوسف : ٢٣] اسم فعل أمر بمعنى تعال. وإنّما لم تجعل في بعض هذه المواضع لام تقوية ، لأنّ لام التّقوية يصحّ الاستغناء عنها مع ذكر مدخولها ، وفي هذه المواضع لا يذكر مدخول اللام إلّا معها.
[٥١ ـ ٥٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣))
تهيّأت نفوس المؤمنين لقبول النّهي عن موالاة أهل الكتاب بعد ما سمعوا من اضطراب اليهود في دينهم ومحاولتهم تضليل المسلمين وتقليب الأمور للرسول صلىاللهعليهوسلم فأقبل عليهم بالخطاب بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى) الآية ، لأنّ الولاية تنبني على الوفاق والوئام والصّلة وليس أولئك بأهل لولاية المسلمين لبعد ما بين الأخلاق الدّينيّة ، ولإضمارهم الكيد للمسلمين. وجرّد النّهي هنا عن التّعليل والتّوجيه اكتفاء بما تقدّم.
والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا. وسبب النّهي هو ما وقع من اليهود ، ولكن لمّا أريد النّهي لم يقتصر عليهم لكيلا يحسب المسلمون أنّهم مأذونون في موالاة النّصارى ، فلدفع ذلك عطف النّصارى على اليهود هنا ، لأنّ السبب الدّاعي لعدم الموالاة واحد في الفريقين ، وهو اختلاف الدّين والنفرة الناشئة عن تكذيبهم رسالة محمّد صلىاللهعليهوسلم. فالنّصارى وإن لم تجىء منهم يومئذ أذاة مثل اليهود فيوشك أن تجيء منهم إذا وجد داعيها.
وفي هذا ما ينبّه على وجه الجمع بين النّهي هنا عن موالاة النّصارى وبين قوله فيما