قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما
أي حالا بحرم المدينة.
والحرم : هو المكان المحدود المحيط بمكة من جهاتها على حدود معروفة ، وهو الذي لا يصاد صيده ، ولا يعضد شجره ولا تحلّ لقطته ، وهو المعروف الذي حدّده إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ونصب أنصابا تعرف بها حدوده ، فاحترمه العرب ، وكان قصّي قد جدّدها ، واستمرّت إلى أن بدا لقريش أن ينزعوها ، وذلك في مدّة إقامة النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة ، واشتدّ ذلك على رسول الله ، ثم إنّ قريشا لم يلبثوا أن أعادوها كما كانت. ولمّا كان عام فتح مكة بعث النبيصلىاللهعليهوسلم تميما بن أسد الخزاعي فجدّدها. ثم أحياها وأوضحها عمر بن الخطاب في خلافته سنة سبع عشرة ، فبعث التجديد حدود الحرم أربعة من قريش كانوا يتبدّون في بوادي مكة ، وهم: مخرمة بن نوفل الزهري ، وسعيد بن يربوع المخزومي ، وحويطب بن عبد العزّى العامري ، وأزهر بن عوف الزهري ، فأقاموا أنصابا جعلت علامات على تخطيط الحرم على حسب الحدود التي حدّدها النبي صلىاللهعليهوسلم وتبتدئ من الكعبة فتذهب للماشي إلى المدينة نحو أربعة أميال إلى التنعيم ، والتنعيم ليس من الحرم ، وتمتدّ في طريق الذاهب إلى العراق ثمانية أميال فتنتهي إلى موضع يقال له : المقطع ، وتذهب في طريق الطائف تسعة (بتقديم المثناة) أميال فتنتهي إلى الجعرانة ، ومن جهة اليمن سبعة (بتقديم السين) فينتهي إلى أضاة لبن ، ومن طريق جدّة عشرة أميال فينتهي إلى آخر الحديبية ، والحديبية داخلة في الحرم. فهذا الحرم يحرم صيده ، كما يحرم الصيد على المحرم بحجّ أو عمرة.
فقوله : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) يجوز أن يراد به محرمون ، فيكون تحريما للصيد على المحرم : سواء كان في الحرم أم في غيره ، ويكون تحريم صيد الحرم لغير المحرم ثابتا بالسنّة ، ويجوز أن يكون المراد به : محرمون وحالّون في الحرم ، ويكون من استعمال اللفظ في معنيين يجمعهما قدر مشترك بينهما وهو الحرمة ، فلا يكون من استعمال المشترك في معنييه إن قلنا بعدم صحّة استعماله فيهما ، أو يكون من استعماله فيهما ، على رأي من يصحّح ذلك ، وهو الصحيح ، كما قدّمناه في المقدّمة التاسعة.
وقد تفنّن الاستثناء في قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) وقوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) ، فجيء بالأول بأداة الاستثناء ، وبالثاني بالحالين الدالّين على مغايرة الحالة المأذون فيها ، والمعنى : إلّا الصيد في حالة كونكم محرمين ، أو في حالة الإحرام. وإنّما تعرّض لحكم