في قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) في سورة البقرة [١٠]. أطلق عليه مرض لأنّه كفر مفسد للإيمان. والمسارعة تقدّم شرحها في قوله تعالى : (لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [المائدة : ٤١]. وفي المجرور مضاف محذوف دلّت عليه القرينة ، لأنّ المسارعة لا تكون في الذوات ، فالمعنى : يسارعون في شأنهم من موالاتهم أو في نصرتهم.
والقول الواقع في (يَقُولُونَ نَخْشى) قول لسان لأنّ عبد الله بن أبيّ بن سلول قال ذلك ، حسبما روي عن عطيّة الحوفي والزهري وعاصم بن عمر بن قتادة أنّ الآية نزلت بعد وقعة بدر أو بعد وقعة أحد وأنّها نزلت حين عزم رسول الله على قتال بني قينقاع. وكان بنو قينقاع أحلافا لعبد الله بن أبي بن سلول ولعبادة بن الصامت ، فلمّا رأى عبادة منزع رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاء فقال : يا رسول الله إنّي أبرأ إلى الله من حلف يهود وولائهم ولا أوالي إلّا الله ورسوله ، وكان عبد الله بن أبيّ حاضرا فقال : أمّا أنا فلا أبرأ من حلفهم فإنّي لا بدّ لي منهم إنّي رجل أخاف الدّوائر.
ويحتمل أن يكون قولهم : (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) ، قولا نفسيا ، أي يقولون في أنفسهم. فالدّائرة المخشيّة هي خشية انتقاض المسلمين على المنافقين ، فيكون هذا القول من المرض الّذي في قلوبهم ، وعن السديّ : أنّه لمّا وقع انهزام يوم أحد فزع المسلمون وقال بعضهم : نأخذ من اليهود حلفا ليعاضدونا إن ألمّت بنا قاصمة من قريش. وقال رجل : إنّي ذاهب إلى اليهود فلان فآوي إليه وأتهوّد معه. وقال آخر : إنّي ذاهب إلى فلان النّصراني بالشّام فآوي إليه وأتنصّر معه ، فنزلت الآية. فيكون المرض هنا ضعف الإيمان وقلّة الثّقة بنصر الله ، وعلى هذا فهذه الآية تقدّم نزولها قبل نزول هذه السورة ، فإمّا أعيد نزولها ، وإمّا أمر بوضعها في هذا الموضع.
والظاهر أنّ قوله (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) يؤيّد الرواية الأولى ، ويؤيّد محملنا فيها : أنّ القول قول نفسيّ.
والدائرة اسم فاعل من دار إذا عكس سيره ، فالدائرة تغيّر الحال ، وغلب إطلاقها على تغيّر الحال من خير إلى شرّ ، ودوائر الدّهر : نوبه ودوله ، قال تعالى : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) [التوبة : ٩٨] أي تبدّل حالكم من نصر إلى هزيمة. وقد قالوا في قوله تعالى : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) [الفتح : ٦] إنّ إضافة (دائرة) إلى (السّوء) إضافة بيان. قال أبو عليّ الفارسي : لو لم تضف الدائرة إلى السّوء عرف منها معناه. وأصل تأنيثها للمرّة ثمّ غلبت على التغيّر ملازمة لصبغة التّأنيث.