تعالى : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) وتطمين الرسول والمؤمنين الحقّ بأنّ الله يعوّضهم بالمرتدّين خيرا منهم. فذلك هو المقصود من جواب الشرط فاستغني عنه بذكر ما يتضمّنه حتّى كان للشرط جوابان.
وفي نزول هذه الآية في أواخر حياة الرسول صلىاللهعليهوسلم إيماء إلى ما سيكون من ارتداد كثير من العرب عن الإسلام مثل أصحاب الأسود العنسي باليمن ، وأصحاب طلحة بن خويلد في بني أسد ، وأصحاب مسيلمة بن حبيب الحنفي باليمامة. ثمّ إلى ما كان بعد وفاة الرسولصلىاللهعليهوسلم من ارتداد قبائل كثيرة مثل فزارة وغطفان وبني تميم وكندة ونحوهم. قيل : لم يبق إلا أهل ثلاثة مساجد : مسجد المدينة ومسجد مكّة ومسجد (جؤاثى) في البحرين (أي من أهل المدن الإسلاميّة يومئذ). وقد صدق الله وعده ونصر الإسلام فأخلفه أجيالا متأصّلة فيه قائمة بنصرته.
وقوله : (يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ) ، الإتيان هنا الإيجاد ، أي يوجد أقواما لاتّباع هذا الدّين بقلوب تحبّه وتجلب له وللمؤمنين الخير وتذود عنهم أعداءهم ، وهؤلاء القوم قد يكونون من نفس الّذين ارتدّوا إذا رجعوا إلى الإسلام خالصة قلوبهم ممّا كان يخامرها من الإعراض مثل معظم قبائل العرب وسادتهم الّذين رجعوا إلى الإسلام بعد الردّة زمن أبي بكر ، فإنّ مجموعهم غير مجموع الذين ارتدّوا ، فصحّ أن يكونوا ممّن شمله لفظ (بِقَوْمٍ) ، وتحقّق فيهم الوصف وهو محبّة الله إيّاهم ومحبّتهم ربّهم ودينه ، فإنّ المحبّتين تتبعان تغيّر أحوال القلوب لا تغيّر الأشخاص فإنّ عمرو بن معد يكرب الّذي كان من أكبر عصاة الردّة أصبح من أكبر أنصار الإسلام في يوم القادسيّة ، وهكذا.
ودخل في قوله (بِقَوْمٍ) الأقوام الّذين دخلوا في الإسلام بعد ذلك مثل عرب الشام من الغساسنة ، وعرب العراق ونبطهم ، وأهل فارس ، والقبط ، والبربر ، وفرنجة إسبانية ، وصقلّية ، وسردانية ، وتخوم فرانسا ، ومثل الترك والمغول ، والتتار ، والهند ، والصّين ، والإغريق ، والرّوم ، من الأمم الّتي كان لها شأن عظيم في خدمة الإسلام وتوسيع مملكته بالفتوح وتأييده بالعلوم ونشر حضارته بين الأمم العظيمة ، فكلّ أمّة أو فريق أو قوم تحقّق فيهم وصف : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) فهم من القوم المنوّه بهم ؛ أمّا المؤمنون الّذين كانوا من قبل وثبتوا فأولئك أعظم شأنا وأقوى إيمانا فأتاهم المؤيّدون زرافات ووحدانا.
ومحبّة الله عبده رضاه عنه وتيسير الخير له ، ومحبّة العبد ربّه انفعال النّفس نحو