جملة (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) إلى آخرها متّصلة بجملة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [المائدة : ٥١] وما تفرّع عليها من قوله (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ـ إلى قوله ـ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) [المائدة : ٥٢ ، ٥٣]. وقعت جملة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [المائدة : ٥٤] بين الآيات معترضة ، ثمّ اتّصل الكلام بجملة (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ). فموقع هذه الجملة موقع التّعليل للنّهي ، لأنّ ولايتهم لله ورسوله مقرّرة عندهم فمن كان الله وليّه لا تكون أعداء الله أولياءه. وتفيد هذه الجملة تأكيدا للنّهي عن ولاية اليهود والنّصارى. وفيه تنويه بالمؤمنين بأنّهم أولياء الله ورسوله بطريقة تأكيد النّفي أو النّهي بالأمر بضدّه ، لأنّ قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) يتضمّن أمرا بتقرير هذه الولاية ودوامها ، فهو خبر مستعمل في معنى الأمر ، والقصر المستفاد من (إنّما) قصر صفة على موصوف قصرا حقيقيا.
ومعنى كون الّذين آمنوا أولياء للّذين آمنوا أنّ المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، كقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١]. وإجراء صفتي (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) على الذين آمنوا للثناء عليهم ، وكذلك جملة (وَهُمْ راكِعُونَ).
وقوله : (وَهُمْ راكِعُونَ) معطوف على الصفة. وظاهر معنى هذه الجملة أنّها عين معنى قوله : (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ، إذ المراد ب (راكِعُونَ) مصلّون لا آتون بالجزء من الصلاة المسمّى بالركوع. فوجه هذا العطف : إمّا بأنّ المراد بالركوع ركوع النّوافل ، أي الّذين يقيمون الصّلوات الخمس المفروضة ويتقرّبون بالنوافل ؛ وإمّا المراد به ما تدلّ عليه الجملة الاسميّة من الدوام والثّبات ، أي الّذين يديمون إقامة الصّلاة. وعقّبه بأنّهم يؤتون الزّكاة مبادرة بالتنويه بالزّكاة ، كما هو دأب القرآن. وهو الّذي استنبطه أبو بكر ـ رضياللهعنه ـ إذ قال : «لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة». ثم أثنى الله عليهم بأنّهم لا يتخلّفون عن أداء الصّلاة ؛ فالواو عاطفة صفة على صفة ، ويجوز أن تجعل الجملة حالا. ويراد بالركوع الخشوع.
ومن المفسّرين من جعل (وَهُمْ راكِعُونَ) حالا من ضمير (يُؤْتُونَ الزَّكاةَ). وليس فيه معنى ، إذ تؤتى الزّكاة في حالة الركوع ، وركّبوا هذا المعنى على خبر تعدّدت رواياته وكلّها ضعيفة. قال ابن كثير : وليس يصحّ شيء منها بالكلّية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها. وقال ابن عطيّة : وفي هذا القول ، أي الرواية ، نظر ، قال : روى الحاكم وابن مردويه : جاء ابن سلام (أي عبد الله) ونفر من قومه الّذين آمنوا (أي من اليهود) فشكوا