و (لَوْ لا) تحضيض أريد منه التّوبيخ.
و (الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) تقدّم بيان معناهما في قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) [المائدة : ٤٤] الآية.
واقتصر في توبيخ الربّانيين على ترك نهيهم عن قول الإثم وأكل السحت ، ولم يذكر العدوان إيماء إلى أنّ العدوان يزجرهم عنه المسلمون ولا يلتجئون في زجرهم إلى غيرهم ، لأنّ الاعتماد في النصرة على غير المجني عليه ، ضعف.
وجملة (لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) مستأنفة ، ذمّ لصنيع الربّانيين والأحبار في سكوتهم عن تغيير المنكر ، و (يَصْنَعُونَ) بمعنى يعلمون ، وإنّما خولف هنا ما تقدّم فيّ الآية قبلها للتّفنن ، وقيل : لأنّ (يَصْنَعُونَ) أدلّ على التمكّن في العمل من (يَعْمَلُونَ).
واللام للقسم.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤))
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ).
عطف على جملة (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) [المائدة : ٦١] ، فإنّه لمّا كان أولئك من اليهود والمنافقين انتقل إلى سوء معتقدهم وخبث طويتهم ليظهر فرط التنافي بين معتقدهم ومعتقد أهل الإسلام ، وهذا قول اليهود الصرحاء غير المنافقين فلذلك أسند إلى اسم (اليهود).
ومعنى (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) الوصف بالبخل في العطاء لأنّ العرب يجعلون العطاء معبّرا عنه باليد ، ويجعلون بسط اليد استعارة للبذل والكرم ، ويجعلون ضدّ البسط استعارة للبخل فيقولون : أمسك يده وقبض يده ، ولم نسمع منهم : غلّ يده ، إلّا في القرآن كما هنا ، وقوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) في سورة الإسراء [٢٩] ، وهي استعارة قويّة لأنّ مغلول اليد لا يستطيع بسطها في أقلّ الأزمان ، فلا جرم أن تكون استعارة لأشدّ البخل والشحّ.