واللام في قوله : (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ ـ وقوله ـ وَلَأَدْخَلْناهُمْ) لام تأكيد يكثر وقوعها في جواب (لو) إذا كان فعلا ماضيا مثبتا لتأكيد تحقيق التلازم بين شرط (لو) وجوابها ، ويكثر أن يجرّد جواب ـ لو ـ عن اللام ، كما سيأتي عند قوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) في سورة الواقعة [٧٠].
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦))
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ).
إقامة الشيء جعله قائما ، كما تقدّم في أول سورة البقرة. واستعيرت الإقامة لعدم الإضاعة لأنّ الشيء المضاع يكون ملقى ، ولذلك يقال له : شيء لقى ، ولأنّ الإنسان يكون في حال قيامه أقدر على الأشياء ، فلذا قالوا : قامت السوق. فيجوز أن يكون معنى إقامة التّوراة والإنجيل إقامة تشريعهما قبل الإسلام ، أي لو أطاعوا أوامر الله وعملوا بها سلموا من غضبه فلأغدق عليهم نعمه ، فاليهود آمنوا بالتّوراة ولم يقيموا أحكامها كما تقدّم آنفا ، وكفروا بالإنجيل ورفضوه ، وذلك أشدّ في عدم إقامته ، وبالقرآن. وقد أومأت الآية إلى أنّ سبب ضيق معاش اليهود هو من غضب الله تعالى عليهم لإضاعتهم التّوراة وكفرهم بالإنجيل وبالقرآن ، أي فتحتّمت عليهم النقمة بعد نزول القرآن.
ويحتمل أن يكون المراد : لو أقاموا هذه الكتب بعد مجيء الإسلام ، أي بالاعتراف بما في التّوراة والإنجيل من التبشير ببعثة محمّد صلىاللهعليهوسلم حتّى يؤمنوا به وبما جاء به ، فتكون الآية إشارة إلى ضيق معاشهم بعد هجرة الرسول إلى المدينة. ويؤيّده ما روي في سبب نزول قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤] كما تقدّم.
ومعنى (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) تعميم جهات الرزق ، أي لرزقوا من كلّ سبيل ، فأكلوا بمعنى رزقوا ، كقوله : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) [الفجر : ١٩]. وقيل : المراد بالمأكول من فوق ثمار الشجر ، ومن تحت الحبوب والمقاثي ، فيكون الأكل على حقيقته ، أي لاستمرّ الخصب فيهم.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ