الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً).
اعتراض بين الجمل التي قبله وبين جملة (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا). ولذلك أعيد الخطاب بالنداء بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). وتوجيه الخطاب إلى الذين آمنوا مع أنّهم لا يظنّ بهم إحلال المحرّمات ، يدلّ على أنّ المقصود النهي عن الاعتداء على الشعائر الإلهية التي يأتيها المشركون كما يأتيها المسلمون.
ومعنى (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) لا تحلّوا المحرّم منها بين الناس ، بقرينة قوله : (لا تُحِلُّوا) ، فالتقدير : لا تحلّوا محرّم شعائر الله ، كما قال تعالى : في إحلال الشهر الحرام بعمل النسيء (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) [التوبة : ٣٧] ؛ وإلّا فمن شعائر الله ما هو حلال كالحلق ، ومنها ما هو واجب. والمحرّمات معلومة.
والشعائر : جمع شعيرة. وقد تقدّم تفسيرها عند قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) [البقرة : ١٥٨]. وقد كانت الشعائر كلّها معروفة لديهم ، فلذلك عدل عن عدّها هنا. وهي أمكنة ، وأزمنة ، وذوات ؛ فالصفا ، والمروة ، والمشعر الحرام ، من الأمكنة. وقد مضت في سورة البقرة. والشهر الحرام من الشعائر الزمانية ، والهدي والقلائد من الشعائر الذوات. فعطف الشهر الحرام والهدي وما بعدهما من شعائر الله عطف الجزئيّ على كلّيّة للاهتمام به ، والمراد به جنس الشهر الحرام ، لأنّه في سياق النفي ، أي الأشهر الحرم الأربعة التي في قوله تعالى : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ... (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة : ٣٦]. فالتعريف تعريف الجنس ، وهو كالنكرة يستوي فيه المفرد والجمع. وقال ابن عطيّة : الأظهر أنّه أريد رجب خاصّة ليشتدّ أمر تحريمه إذ كانت العرب غير مجمعة عليه ، فإنّما خصّ بالنهي عن إحلاله إذ لم يكن جميع العرب يحرّمونه ، فلذلك كان يعرف برجب مضر ؛ فلم تكن ربيعة ولا إياد ولا أنمار يحرّمونه. وكان يقال له : شهر بني أميّة أيضا ، لأنّ قريشا حرّموه قبل جميع العرب فتبعتهم مضر كلّها لقول عوف بن الأحوص :
وشهر بني أميّة والهدايا |
|
إذا حبست مضرّجها الدقاء |
وعلى هذا يكون التعريف للعهد فلا يعمّ. والأظهر أنّ التعريف للجنس ، كما قدّمناه.
والهدي : هو ما يهدي إلى مناسك الحجّ لينحر في المنحر من منى ، أو بالمروة ، من الأنعام.