بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) في سورة الأعراف [٩٦].
واللام في قوله : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) إلخ مثل اللام في الآية قبلها.
(مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ).
إنصاف لفريق منهم بعد أن جرت تلك المذامّ على أكثرهم.
والمقصد يطلق على المطيع ، أي غير مسرف بارتكاب الذنوب ، واقف عند حدود كتابهم ، لأنّه يقتصد في سرف نفسه ، ودليل ذلك مقابلته بقوله في الشقّ الآخر (ساءَ ما يَعْمَلُونَ). وقد علم من اصطلاح القرآن التعبير بالإسراف عن الاسترسال في الذنوب ، قال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣] ، ولذلك يقابل بالاقتصاد ، أي الحذر من الذنوب ، واختير المقتصد لأنّ المطيعين منهم قبل الإسلام كانوا غير بالغين غاية الطاعة ، كقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) [فاطر : ٣٢].
فالمراد هنا تقسيم أهل الكتاب قبل الإسلام لأنّهم بعد الإسلام قسمان سيّئ العمل ، وهو من لم يسلم ؛ وسابق في الخيرات ، وهم الّذين أسلموا مثل عبد الله بن سلام ومخيريق. وقيل : المراد بالمقتصد غير المفرطين في بغض المسلمين ، وهم الّذين لا آمنوا معهم ولا آذوهم ، وضدّهم هم المسيئون بأعمالهم للمسلمين مثل كعب بن الأشرف. فالأوّلون بغضهم قلبي ، والآخرون بغضهم بالقلب والعمل السيّئ. ويطلق المقتصد على المعتدل في الأمر ، لأنّه مشتقّ من القصد ، وهو الاعتدال وعدم الإفراط. والمعنى مقتصدة في المخالفة والتنكّر للمسلمين المأخوذ من قوله : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) [المائدة : ٦٨].
والأظهر أن يكون قوله : (ساءَ) فعلا بمعنى كان سيّئا ، و (ما يَعْمَلُونَ) فاعله ، كما قدّره ابن عطية. وجعله في «الكشاف» بمعنى بئس ، فقدّر قولا محذوفا ليصحّ الإخبار به عن قوله : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) ، بناء على التزام عدم صحّة عطف الإنشاء على الإخبار ، وهو محلّ جدال ، ويكون (ما يَعْمَلُونَ) مخصوصا بالذمّ ، والّذي دعاه إلى ذلك أنّه رأى حمله على معنى إنشاء الذمّ أبلغ في ذمّهم ، أي يقول فيهم ذلك كل قائل.
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ