شيء لا محالة ومشار إليه ولكنّهم يريدون أنّه غير معتدّ به. ومنه ما وقع في الحديث الصّحيح أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن الكهّان ، فقال : «ليسوا بشيء». وقد شاكل هذا النّفي على معنى الاعتداد النّفي المتقدّم في قوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ، أي فما بلّغت تبليغا معتدّا به عند الله.
والمقصود من الآية إنما هو إقامة التّوراة والإنجيل عند مجيء القرآن بالاعتراف بما في التّوراة والإنجيل من التبشير بمحمد صلىاللهعليهوسلم حتّى يؤمنوا به وبما أنزل عليه. وقد أومأت هذه الآية إلى توغّل اليهود في مجانبة الهدى لأنّهم قد عطّلوا إقامة التّوراة منذ عصور قبل عيسى ، وعطّلوا إقامة الإنجيل إذ أنكروه ، وأنكروا من جاء به ، ثمّ أنكروا نبوءة محمّد صلىاللهعليهوسلم فلم يقيموا ما أنزل إليهم من ربّهم. والكلام على إقامة التّوراة والإنجيل مضى عند قوله آنفا : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [المائدة : ٦٦] إلخ.
وقد فنّدت هذه الآية مزاعم اليهود أنّهم على التمسّك بالتّوراة ، وكانوا يزعمون أنّهم على هدى ما تمسّكوا بالتّوراة ولا يتمسّكون بغيرها. وعن ابن عبّاس أنّهم جاءوا للنّبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ألست تقرّ أنّ التّوراة حقّ ، قال : «بلى» ، قالوا : فإنّا نؤمن بها ولا نؤمن بما عداها. فنزلت هذه الآية. وليس له سند قوي. وقد قال بعض النّصارى للرّسول صلىاللهعليهوسلم في شأن تمسّكهم بالإنجيل مثل قول بعض اليهود ، كما في قصة إسلام عدي بن حاتم ، وكما في مجادلة بعض وفد نجران.
وقوله : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) ، أي من أهل الكتاب ، وذلك إمّا بباعث الحسد على مجيء هذا الدّين ونزول القرآن ناسخا لدينهم ، وإمّا بما في بعض آيات القرآن من قوارعهم وتفنيد مزاعمهم. ولم يزل الكثير منهم إذا ذكروا الإسلام حتّى في المباحث التّاريخيّة والمدنيّة يحتدّون على مدنيّة الإسلام ويقلبون الحقائق ويتميّزون غيظا ومكابرة حتّى ترى العالم المشهود له منهم يتصاغر ويتسفّل إلى دركات التبال والتّجاهل ، إلّا قليلا ممّن اتّخذ الإنصاف شعارا ، وتباعد عن أن يرمى بسوء الفهم تجنّبا وحذارا.
وقد سمّى الله ما يعترضهم من الشجا في حلوقهم بهذا الدّين (طُغْياناً) لأنّ الطغيان هو الغلوّ في الظلم واقتحام المكابرة مع عدم الاكتراث بلوم اللّائمين من أهل اليقين.
وسلّى الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بقوله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ؛ فالفاء للفصيحة لتتمّ التّسلية ، لأنّ رحمة الرسول بالخلق تحزنه ممّا بلغ منهم من زيادة الطّغيان والكفر ، فنبّهت