هذا أوان الشّدّ فاشتدّي زيم |
|
قد لفّها الليل بسوّاق حطم |
ليس براعي إبل ولا غنم |
|
ولا بجزّار على ظهر وضم |
باتوا نياما وابن هند لم ينم |
|
بات يقاسيها غلام كالزّلم |
خدلّج الساقين خفّاق القدم
ثم أقبل الحطم في العام القابل وهو عام القضية فسمعوا تلبية حجّاج اليمامة فقالوا : هذا الحطم وأصحابه ومعهم هدي هو ممّا نهبه من إبل المسلمين ، فاستأذنوا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في نهيهم ، فنزلت الآية في النهي عن ذلك. فهي حكم عامّ نزل بعد تلك القضية ، وكان النهي عن التعرّض لبدن الحطم مشمولا لما اشتملت عليه هذه الآية.
والبيت الحرام هو الكعبة. وسيأتي بيان وصفه بهذا الوصف عند قوله : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) [المائدة : ٩٧] في هذه السورة. وجملة (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) صفة ل (آمِّينَ) من قصدهم ابتغاء فضل الله ورضوانه وهم الذين جاءوا لأجل الحجّ إيماء إلى سبب حرمة آمّي البيت الحرام.
وقد نهى الله عن التعرّض للحجيج بسوء لأنّ الحجّ ابتغاء فضل الله ورضوانه ، وقد كان أهل الجاهلية يقصدون منه ذلك ، قال النابغة :
حيّاك ربّي فإنّا لا يحلّ لنا |
|
لهو النساء وإنّ الدّين قد عزما |
مشمّرين على خوص مزمّمة |
|
نرجو الإله ونرجو البرّ والطعما |
ويتنزّهون عن فحش الكلام ، قال العجّاج :
وربّ أسراب حجيج كظّم |
|
عن اللّغا ورفث التكلّم |
ويظهرون الزهد والخشوع ، قال النابغة :
بمصطحبات من لصاف وثبرة |
|
يزرن إلالا سيرهنّ التّدافع |
عليهنّ شعث عامدون لربّهم |
|
فهنّ كأطراف الحنيّ خواشع |
ووجه النّهي عن التعرّض للحجيج بسوء وإن كانوا مشركين : أنّ الحالة التي قصدوا فيها الحجّ وتلبّسوا عندها بالإحرام ، حالة خير وقرب من الإيمان بالله وتذكّر نعمه ، فيجب أن يعانوا على الاستكثار منها لأنّ الخير يتسرّب إلى النفس رويدا ، كما أن الشرّ يتسرّب إليها كذلك ، ولذلك سيجيء عقب هذه الآية قوله : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى).