إذا خفّفت يبطل عملها المعتاد وتصير داخلة على جملة. وزعم بعض النّحاة أنّها مع ذلك عاملة ، وأنّ اسمها ملتزم الحذف ، وأنّ خبرها ملتزم كونه جملة. وهذا توهّم لا دليل عليه. وزاد بعضهم فزعم أنّ اسمها المحذوف ضمير الشأن. وهذا أيضا توهّم على توهّم وليس من شأن ضمير الشأن أن يكون محذوفا لأنّه مجتلب للتّأكيد ، على أنّ عدم ظهوره في أي استعمال يفنّد دعوى تقديره.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢))
استئناف ابتدائي لإبطال ما عليه النّصارى ، يناسب الانتهاء من إبطال ما عليه اليهود.
وقد مضى القول آنفا في نظير قوله (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [المائدة : ١٧] ومن نسب إليه هذا القول من طوائف النّصارى.
والواو في قوله (وَقالَ الْمَسِيحُ) واو الحال. والجملة حال من (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ) ، أي قالوا ذلك في حال نداء المسيح لبني إسرائيل بأنّ الله ربّه وربّهم ، أي لا شبهة لهم ، فهم قالوا : إنّ الله اتّحد بالمسيح ؛ في حال أنّ المسيح الّذي يزعمون أنّهم آمنوا به والّذي نسبوه إليه قد كذّبهم ، لأنّ قوله : (رَبِّي وَرَبَّكُمْ) ، يناقض قولهم : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ) ، لأنّه لا يكون إلّا مربوبا ، وذلك مفاد قوله : (رَبِّي) ، ولأنّه لا يكون مع الله إله آخر ، وذلك مفاد قوله (وَرَبَّكُمْ) ، وذلك عقّب بجملة (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ). فيجوز أن تكون هذه الجملة حكاية لكلام صدر من عيسى ـ عليهالسلام ـ فتكون تعليلا للأمر بعبادة الله. ووقوع (إنّ) في مثل هذا المقام تغني غناء فاء التّفريع وتفيد التّعليل. وفي حكايته تعريض بأنّ قولهم ذلك قد أوقعهم في الشرك وإن كانوا يظنّون أنّهم اجتنبوه حذرا من الوقوع فيما حذّر منه المسيح ، لأنّ الّذين قالوا : إنّ الله هو المسيح. أرادوا الاتّحاد بالله وأنّه هو هو. وهذا قول اليعاقبة كما تقدّم آنفا ، وفي سورة النّساء.
وذلك شرك لا محالة ، بل هو أشدّ ، لأنّهم أشركوا مع الله غيره ومزجوه به فوقعوا في الشّرك وإن راموا تجنّب تعدّد الآلهة ، فقد أبطل الله قولهم بشهادة كلام من نسبوا إليه الإلهية إبطالا تامّا.
وإن كانت الجملة من كلام الله تعالى فهو تذييل لإثبات كفرهم وزيادة تنبيه على