هي أمّ الكلمة أم هي أمّ الله.
فقوله : (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) معناه واحد من تلك الثّلاثة ، لأنّ العرب تصوغ من اسم العدد من اثنين إلى عشرة ، صيغة فاعل مضافا إلى اسم العدد المشتقّ هو منه لإرادة أنّه جزء من ذلك العدد نحو (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة : ٤٠] ، فإن أرادوا أنّ المشتقّ له وزن فاعل هو الّذي أكمل العدد أضافوا وزن فاعل إلى اسم العدد الّذي هو أرقى منه فقالوا : رابع ثلاثة ، أي جاعل الثلاثة أربعة.
وقوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) عطف على جملة (لَقَدْ كَفَرَ) لبيان الحقّ في الاعتقاد بعد ذكر الاعتقاد الباطل.
ويجوز جعل الجملة حالا من ضمير (قالُوا) ، أي قالوا هذا القول في حال كونه مخالفا للواقع ، فيكون كالتّعليل لكفرهم في قولهم ذلك ، ومعناه على الوجهين نفي عن الإله الحقّ أن يكون غير واحد فإنّ (من) لتأكيد عموم النّفي فصار النّفي ب (ما) المقترنة بها مساويا للنّفي ب (لا) النّافية للجنس في الدلالة على نفي الجنس نصّا.
وعدل هنا عن النّفي بلا التبرئة فلم يقل (ولا إله إلّا إله واحد) إلى قوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) اهتماما بإبراز حرف (من) الدالّ بعد النّفي على تحقيق النّفي ، فإنّ النّفي بحرف (لا) ما أفاد نفي الجنس إلّا بتقدير حرف (من) ، فلمّا قصدت زيادة الاهتمام بالنّفي هنا جيء بحرف (ما) النّافية وأظهر بعده حرف (من). وهذا ممّا لم يتعرّض إليه أحد من المفسّرين.
وقوله : (إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) يفيد حصر وصف الإلهيّة في واحد فانتفى التثليث المحكي عنهم. وأمّا تعيين هذا الواحد من هو ، فليس مقصودا تعيينه هنا لأنّ القصد إبطال عقيدة التثليث فإذا بطل التثليث ، وثبتت الوحدانيّة تعيّن أنّ هذا الواحد هو الله تعالى لأنّه متّفق على إلهيّته ، فلمّا بطلت إلهيّة غيره معه تمحّضت الإلهيّة له فيكون قوله هنا (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) مساويا لقوله في سورة آل عمران [٦٢](وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) ، إلّا أنّ ذكر اسم الله تقدّم هنا وتقدّم قول المبطلين (إنّه ثالث ثلاثة) فاستغني بإثبات الوحدانيّة عن تعيينه. ولهذا صرّح بتعيين الإله الواحد في سورة آل عمران [٦٢] في قوله تعالى : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) إذ المقام اقتضى تعيين انحصار الإلهيّة في الله تعالى دون عيسى ولم يجر فيه ذكر لتعدّد الآلهة.