والفضل : خير الدنيا ، وهو صلاح العمل. والرضوان : رضي الله تعالى عنهم ، وهو ثواب الآخرة ، وقيل : أراد بالفضل الربح في التجارة ، وهذا بعيد أن يكون هو سبب النهي إلّا إذا أريد تمكينهم من إبلاغ السلع إلى مكّة.
(وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا).
تصريح بمفهوم قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ١] لقصد تأكيد الإباحة. فالأمر فيه للإباحة ، وليس هذا من الأمر الوارد بعد النهي ، لأنّ تلك المسألة مفروضة في النهي عن شيء نهيا مستمرّا ، ثم الأمر به كذلك ، وما هنا : إنّما هو نهي موقّت وأمر في بقيّة الأوقات ، فلا يجري هنا ما ذكر في أصول الفقه من الخلاف في مدلول صيغة الأمر الوارد بعد حظر : أهو الإباحة أو الندب أو الوجوب. فالصيد مباح بالإباحة الأصليّة ، وقد حرّم في حالة الإحرام ، فإذا انتهت تلك الحالة رجع إلى إباحته.
و (فَاصْطادُوا) صيغة افتعال ، استعملت في الكلام لغير معنى المطاوعة التي هي مدلول صيغة الافتعال في الأصل ، فاصطاد في كلامهم مبالغة في صاد. ونظيره : اضطرّه إلى كذا. وقد نزّل (فَاصْطادُوا) منزلة فعل لازم فلم يذكر له مفعول.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا).
عطف على قوله : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) لزيادة تقرير مضمونه ، أي لا تحلّوا شعائر الله ولو مع عدوّكم إذا لم يبدءوكم بحرب.
ومعنى (يَجْرِمَنَّكُمْ) يكسبنّكم ، يقال : جرمه يجرمه ، مثل ضرب. وأصله كسب ، من جرم النخلة إذا جذّ عراجينها ، فلمّا كان الجرم لأجل الكسب شاع إطلاق جرم بمعنى كسب ، قالوا : جرم فلان لنفسه كذا ، أي كسب.
وعدّي إلى مفعول ثان وهو (أَنْ تَعْتَدُوا) ، والتقدير : يكسبكم الشنآن الاعتداء. وأمّا تعديته بعلى في قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) [المائدة : ٨] فلتضمينه معنى يحملنّكم.
والشنآن ـ بفتح الشين المعجمة وفتح النون في الأكثر ، وقد تسكّن النون إمّا أصالة وإمّا تخفيفا ـ هو البغض. وقيل : شدّة البغض ، وهو المناسب ، لعطفه على البغضاء في قول الأحوص :