إسرائيل (فاسِقُونَ). فالضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) و (فاسِقُونَ) كافرون ، فلا عجب في موالاتهم المشركين لاتّحادهم في مناواة الإسلام. فالمراد بالكثير في قوله : (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) عين المراد من قوله (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقد أعيدت النكرة نكرة وهي عين الأولى إذ ليس يلزم إعادتها معرفة. ألا ترى قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح : ٥ ، ٦]. وليس ضمير (مِنْهُمْ) عائدا إلى (كَثِيراً) إذ ليس المراد أنّ الكثير من الكثير فاسقون بل المراد كلّهم.
[٨٢ ـ ٨٤] (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤))
فذلكة لما تقدّم من ذكر ما لاقى به اليهود والنصارى دعوة الإسلام من الإعراض على تفاوت فيه بين الطائفتين ؛ فإنّ الله شنّع من أحوال اليهود ما يعرف منه عداوتهم للإسلام إذ قال : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) [المائدة : ٦٤] ، فكرّرها مرّتين وقال : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [المائدة : ٨٠] وقال : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) [المائدة : ٦١] فعلم تلوّنهم في مضارّة المسلمين وأذاهم. وذكر من أحوال النصارى ما شنّع به عقيدتهم ولكنّه لم يحك عنهم ما فيه عداوتهم المسلمين وقد نهى المسلمين عن اتّخاذ الفريقين أولياء في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١] الآية. فجاء قوله : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً) الآية فذلكة لحاصل ما تكنّه ضمائر الفريقين نحو المسلمين ، ولذلك فصلت ولم تعطف. واللام في (لَتَجِدَنَ) لام القسم يقصد منها التأكيد ، وزادته نون التوكيد تأكيدا. والوجدان هنا وجدان قلبي ، وهو من أفعال العلم ، ولذلك يعدّى إلى مفعولين ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) في سورة البقرة [٩٦]. وانتصب (عَداوَةً) على تمييز نسبة (أَشَدَّ) إلى النّاس ، ومثله انتصاب (مَوَدَّةً).
وذكر المشركين مع اليهود لمناسبة اجتماع الفريقين على عداوة المسلمين ، فقد ألّف بين اليهود والمشركين بغض الإسلام ؛ فاليهود للحسد على مجيء النبوءة من غيرهم ،