أنمي على البغضاء والشنآن
وهو من المصادر الدالّة على الاضطراب والتقلّب ، لأنّ الشنآن فيه اضطراب النفس ، فهو مثل الغليان والنزوان.
وقرأ الجمهور : (شَنَآنُ) ـ بفتح النون ـ. وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ـ بسكون النون ـ. وقد قيل : إنّ ساكن النون وصف مثل غضبان ، أي عدوّ ، فالمعنى : لا يجرمنّكم عدوّ قوم ، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف. وإضافة شنآن إذا كان مصدرا من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي بغضكم قوما ، بقرينة قوله : (أَنْ صَدُّوكُمْ) ، لأنّ المبغض في الغالب هو المعتدى عليه.
وقرأ الجمهور : (أَنْ صَدُّوكُمْ) ـ بفتح همزة (أن) ـ. وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : ـ بكسر الهمزة ـ على أنّها (إن) الشرطية ، فجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبل الشرط.
والمسجد الحرام اسم جعل علما بالغلبة على المكان المحيط بالكعبة المحصور ذي الأبواب ، وهو اسم إسلاميّ لم يكن يدعى بذلك في الجاهليّة ، لأنّ المسجد مكان السجود ولم يكن لأهل الجاهليّة سجود عند الكعبة ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) في سورة البقرة [١٤٤] ، وسيأتي عند قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١].
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
تعليل للنهي الذي في قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ). وكان مقتضى الظاهر أن تكون الجملة مفصولة ، ولكنّها عطفت : ترجيحا لما تضمّنته من التشريع على ما اقتضته من التعليل ، يعني : أنّ واجبكم أن تتعاونوا بينكم على فعل البرّ والتقوى ، وإذا كان هذا واجبهم فيما بينهم ، كان الشأن أن يعينوا على البرّ والتقوى ، لأنّ التعاون عليها يكسب محبّة تحصيلها ، فيصير تحصيلها رغبة لهم ، فلا جرم أن يعينوا عليها كلّ ساع إليها ، ولو كان عدوّا ، والحجّ برّ فأعينوا عليه وعلى التقوى ، فهم وإن كانوا كفّارا يعاونون على ما هو برّ : لأنّ البرّ يهدي للتقوى ، فلعلّ تكرّر فعله يقرّبهم من الإسلام. ولمّا كان الاعتداء على العدوّ إنّما يكون بتعاونهم عليه نبّهوا على أنّ التعاون لا ينبغي أن يكون صدّا عن المسجد