الأنصارية التي قيل : إنّها زوجة زيد بن ثابت ، وتوفّي عثمان بن مظعون سنة اثنتين من الهجرة. وفي رواية : أنّ ناسا قالوا إنّ النصارى قد حرّموا على أنفسهم فنحن نحرّم على أنفسنا بعض الطيّبات فحرّم بعضهم على نفسه أكل اللحم ، وبعضهم النوم ، وبعضهم النساء ؛ وأنّهم ألزموا أنفسهم بذلك بأيمان حلفوها على ترك ما التزموا تركه. فنزلت هذه الآية.
وهذه الأخبار متظافرة على وقوع انصراف بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المبالغة في الزهد وارادة في الصحيح ، مثل حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي. قال : قال لي رسول الله : «ألم أخبر أنّك تقوم الليل وتصوم النهار ، قلت : إنّي أفعل ذلك. قال : فإنّك إذا فعلت هجمت عينك ونفهت نفسك. وإنّ لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقّا ، فصم وأفطر وقم ونم». وحديث سلمان مع أبي الدرداء أنّ سلمان زار أبا الدرداء فصنع أبو الدرداء طعاما فقال لسلمان : كل فإنّي صائم ، فلمّا كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، فقال : نم ، فنام ، ثم ذهب يقوم فقال : نم ، فنام. فلمّا كان آخر اللّيل قال سلمان : قم الآن ، وقال سلمان : إنّ لربّك عليك حقّا ولنفسك عليك حقّا ولأهلك عليك حقّا فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له. فقال النبي عليه الصلاة والسلام : «صدق سلمان». وفي الحديث الصحيح أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «أمّا أنا فأقوم وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوّج النساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي».
والنهي إنّما هو عن تحريم ذلك على النفس. أمّا ترك تناول بعض ذلك في بعض الأوقات من غير التزام ولقصد التربية للنفس على التصبّر على الحرمان عند عدم الوجدان ، فلا بأس به بمقدار الحاجة إليه في رياضة النفس. وكذلك الإعراض عن كثير من الطّيبات للتطلّع على ما هو أعلى من عبادة أو شغل بعمل نافع وهو أعلى الزهد ، وقد كان ذلك سنّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخاصّة من أصحابه ، وهي حالة تناسب مرتبته ولا تتناسب مع بعض مراتب الناس ، فالتطلّع إليها تعسير ، وهو مع ذلك كان يتناول الطيّبات دون تشوّف ولا تطلّع. وفي تناولها شكر لله تعالى ، كما ورد في قصّة أبي الدحداح حين حلّ رسول الله وأبو بكر وعمر في حائطه وأطعمهم وسقاهم. وعن الحسن البصري : أنّه دعي إلى طعام ومعه فرقد السبخي (١) وأصحابه فجلسوا على مائدة فيها ألوان من الطعام دجاج مسمّن
__________________
(١) فرقد بن يعقوب الأرميني من أصحاب الحسن توفي سنة ١٣١ نزيل السبخة ، موضع بالبصرة.