الحرام ، وقد أشرنا إلى ذلك آنفا ؛ فالضمير والمفاعلة في (تَعاوَنُوا) للمسلمين ، أي ليعن بعضكم بعضا على البرّ والتقوى. وفائدة التعاون تيسير العمل ، وتوفير المصالح ، وإظهار الاتّحاد والتناصر ، حتّى يصبح ذلك خلقا للأمّة. وهذا قبل نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨].
وقوله : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) تأكيد لمضمون (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) لأنّ الأمر بالشيء ، وإن كان يتضمّن النهي عن ضدّه ، فالاهتمام بحكم الضدّ يقتضي النهي عنه بخصوصه. والمقصود أنّه يجب أن يصدّ بعضكم بعضا عن ظلم قوم لكم نحوهم شنآن.
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) الآية تذييل. وقوله : (شَدِيدُ الْعِقابِ) تعريض بالتهديد.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣))
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ).
استئناف بيانيّ ناشئ عن قوله : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١] ، فهو بيان لما ليس بحلال من الأنعام.
ومعنى تحريم هذه المذكورات تحريم أكلها ، لأنّه المقصود من مجموع هذه المذكورات هنا. وهي أحوال من أحوال الأنعام تقتضي تحريم أكلها. وأدمج فيها نوع من الحيوان ليس من أنواع الأنعام وهو الخنزير ، لاستيعاب محرّمات الحيوان. وهذا الاستيعاب دليل لإباحة ما سوى ذلك ، إلّا ما ورد في السنّة من تحريم الحمر الأهلية ، على اختلاف بين العلماء في معنى تحريمها ، والظاهر أنّه تحريم منظور فيه إلى حالة لا إلى الصنف. وألحق مالك بها الخيل والبغال قياسا ، وهو من قياس الأدون ، ولقول الله تعالى إذ ذكرها في معرض الامتنان (الْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٨].