الخمر والميسر ، لأنّ تفريع هذا الاستفهام عن قوله : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ) يعيّن أنّهما المقصود من الانتهاء.
واقتصار الآية على تبيين مفاسد شرب الخمر وتعاطي الميسر دون تبيين ما في عبادة الأنصاب والاستقسام بالأزلام من الفساد ، لأنّ إقلاع المسلمين عنهما قد تقرّر قبل هذه الآية من حين الدخول في الإسلام لأنّهما من مآثر عقائد الشرك ، ولأنّه ليس في النفوس ما يدافع الوازع الشرعي عنهما بخلاف الخمر والميسر فإنّ ما فيهما من اللذات التي تزجي بالنفوس إلى تعاطيهما قد يدافع الوزاع الشرعي ، فلذلك أكّد النهي عنهما أشدّ ممّا أكّد النهي عن الأنصاب والأزلام.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢))
عطفت جملة (وَأَطِيعُوا) على جملة (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] ، وهي كالتذييل ، لأنّ طاعة الله ورسوله تعمّ ترك الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وتعمّ غير ذلك من وجوه الامتثال والاجتناب. وكرّر (وَأَطِيعُوا) اهتماما بالأمر بالطاعة. وعطف (وَاحْذَرُوا) على (أَطِيعُوا) أي وكونوا على حذر. وحذف مفعول (احْذَرُوا) لينزّل الفعل منزلة اللازم لأنّ القصد التلبّس بالحذر في أمور الدين ، أي الحذر من الوقوع فيما يأباه الله ورسوله ، وذلك أبلغ من أن يقال واحذروهما ، لأنّ الفعل اللازم يقرب معناه من معنى أفعال السجايا ، ولذلك يجيء اسم الفاعل منه على زنة فعل كفرح ونهم.
وقوله : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) تفريع عن (أَطِيعُوا) ـ و (احْذَرُوا). والتولّي هنا استعارة للعصيان ، شبّه العصيان بالإعراض والرجوع عن الموضع الذي كان به العاصي ، بجامع المقاطعة والمفارقة ، وكذلك يطلق عليه الإدبار. ففي حديث ابن صياد «ولئن أدبرت ليعقرنّك الله» أي أعرضت عن الإسلام.
وقوله : (فَاعْلَمُوا) هو جواب الشرط باعتبار لازم معناه لأنّ المعنى : فإن تولّيتم عن طاعة الرسول فاعلموا أن لا يضرّ تولّيكم الرسول لأنّ عليه البلاغ فحسب ، أي وإنّما يضرّكم تولّيكم ، ولو لا لازم هذا الجواب لم ينتظم الربط بين التولّي وبين علمهم أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمر إلّا بالتبليغ. وذكر فعل (فَاعْلَمُوا) للتنبيه على أهمية