النبي صلىاللهعليهوسلم كانوا شديدي الحذر ممّا ينقص الثواب حريصين على كمال الاستقامة فلمّا نزل في الخمر والميسر أنّهما رجس من عمل الشيطان خشوا أن يكون للشيطان حظّ في الذين شربوا الخمر وأكلوا اللحم بالميسر وتوفّوا قبل الإقلاع عن ذلك أو ماتوا والخمر في بطونهم مخالطة أجسادهم ، فلم يتمالكوا أن سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم عن حالهم لشدّة إشفاقهم على إخوانهم. كما سأل عبد الله بن أمّ مكتوم لمّا نزل قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) [النساء : ٩٥] فقال : يا رسول الله ، فكيف وأنا أعمى لا أبصر فأنزل الله (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [النساء : ١٤٣]. وكذلك ما وقع لمّا غيّرت القبلة من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة قال ناس : فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يستقبلون بيت المقدس ، فأنزل الله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] ، أي صلاتكم فكان القصد من السؤال التثبّت في التفقّه وأن لا يتجاوزوا التلقّي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمور دينهم.
ونفي الجناح نفي الإثم والعصيان. و (ما) موصولة. و (طَعِمُوا) صلة. وعائد الصلة محذوف. وليست (ما) مصدرية لأنّ المقصود العفو عن شيء طعموه معلوم من السؤال ، فتعليق ظرفية ما طعموا بالجناح هو على تقدير : في طعم ما طعموه.
وأصل معنى (طَعِمُوا) أنّه بمعنى أكلوا ، قال تعالى : (فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) [الأحزاب : ٢٥٩]. وحقيقة الطعم الأكل والشيء المأكول طعام. وليس الشراب من الطعام بل هو غيره ، ولذلك عطف في قوله تعالى (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) [البقرة : ٢٥٩]. ويدلّ لذلك استثناء المأكولات منه في قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [الأنعام : ١٤٥]. ويقال : طعم بمعنى أذاق ومصدره الطّعم ـ بضمّ الطاء ـ اعتبروه مشتقّا من الطّعم الذي هو حاسّة الذوق. وتقدّم قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [البقرة : ٢٤٩] ، أي ومن لم يذقه ، بقرينة قوله (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) [البقرة : ٢٤٩]. ويقال : وجدت في الماء طعم التراب. ويقال تغيّر طعم الماء ، أي أسن. فمن فصاحة القرآن إيراد فعل (طَعِمُوا) هنا لأنّ المراد نفي التّبعة عمّن شربوا الخمر وأكلوا لحم الميسر قبل نزول آية تحريمهما. واستعمل اللفظ في معنييه ، أي في حقيقته ومجازه ، أو هو من أسلوب التغليب.
وإذ قد عبّر بصيغة المضي في قوله (طَعِمُوا) تعيّن أن يكون (إِذا) ظرفا للماضي ،