(وَأَحْسَنُوا) الإحسان إلى المسلمين ، وهو زائد على التقوى ، لأنّ منه إحسانا غير واجب وهو ممّا يجلب مرضاة الله ، ولذلك ذيّله بقوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وقد ذهب المفسّرون في تأويل التكرير الواقع في هذه الآية طرائق مختلفة لا دلائل عليها في نظم الآية ، ومرجعها جعل التكرير في قوله : (ثُمَّ اتَّقَوْا) على معنى تغاير التقوى والإيمان باختلاف الزمان أو باختلاف الأحوال. وذهب بعضهم في تأويل قوله تعالى : (إِذا مَا اتَّقَوْا) وما عطف عليه إلى وجوه نشأت عن حمله على معنى التقييد لنفي الجناح بحصول المشروط. وفي جلبها طول.
وقد تقدّم أنّ بعضا من السلف تأوّل هذه الآية على معنى الرخصة في شرب الخمر لمن اتّقى الله فيما عدّ ، ولم يكن الخمر وسيلة له إلى المحرّمات ، ولا إلى إضرار الناس. وينسب هذا إلى قدامة بن مظعون ، كما تقدّم في تفسير آية تحريم الخمر : وأنّ عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب لم يقبلاه منه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤))
لا أحسب هذه الآية إلّا تبيينا لقوله في صدر السورة (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ١] ، وتخلّصا لحكم قتل الصيد في حالة الإحرام ، وتمهيدا لقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [المائدة : ٩٥] جرّت إلى هذا التخلّص مناسبة ذكر المحرّمات من الخمر والميسر وما عطف عليهما ؛ فخاطب الله المؤمنين بتنبيههم إلى حالة قد يسبق فيها حرصهم ، حذرهم وشهوتهم تقواهم. وهي حالة ابتلاء وتمحيص ، يظهر بها في الوجود اختلاف تمسّكهم بوصايا الله تعالى ، وهي حالة لم تقع وقت نزول هذه الآية ، لأنّ قوله (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) ظاهر في الاستقبال ، لأنّ نون التوكيد لا تدخل على المضارع في جواب القسم إلّا وهو بمعنى المستقبل. والظاهر أنّ حكم إصابة الصيد في حالة الإحرام أو في أرض الحرم لم يكن مقرّرا بمثل هذا. وقد روي عن مقاتل : أنّ المسلمين في عمرة الحديبية غشيهم صيد كثير في طريقهم ، فصار يترامى على رحالهم وخيامهم ، فمنهم المحلّ ومنهم المحرم ، وكانوا يقدرون على أخذه بالأيدي ، وصيد بعضه بالرماح. ولم يكونوا رأوا الصيد كذلك قط ، فاختلفت أحوالهم في الإقدام على إمساكه. فمنهم من أخذ بيده وطعن برمحه. فنزلت هذه الآية اه. فلعلّ هذه الآية ألحقت بسورة المائدة إلحاقا ، لتكون