للظرفية ، وهي في موضع الحال من الضمير المرفوع في (يَخافُهُ).
والغيب ضدّ الحضور وضدّ المشاهدة ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣] على أحد وجهين هنالك ، فتعلّق المجرور هنا بقوله (يَخافُهُ) الأظهر أنّه تعلّق لمجرّة الكشف دون إرادة تقييد أو احتراز ، كقوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) [البقرة : ٦١]. أي من يخاف الله وهو غائب عن الله ، أي غير مشاهد له. وجميع مخافة الناس من الله في الدنيا هي مخالفة بالغيب. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك : ١٢].
وفائدة ذكره أنه ثناء على الذين يخافون الله أثنى عليهم بصدق الإيمان وتنوّر البصيرة ، فإنّهم خافوه ولم يروا عظمته وجلاله ونعيمه وثوابه ولكنّهم أيقنوا بذلك عن صدق استدلال. وقد أشار إلى هذا ما في الحديث القدسي : «إنّهم آمنوا بي ولم يروني فكيف لو رأوني». ومن المفسرين من فسّر الغيب بالدنيا. وقال ابن عطية : الظاهر أنّ المعنى بالغيب عن الناس ، أي في الخلوة. فمن خاف الله انتهى عن الصيد في ذات نفسه ، يعني أنّ المجرور للتقييد ، أي من يخاف الله وهو غائب عن أعين الناس الذين يتّقى إنكارهم عليه أو صدّهم إيّاه وأخذهم على يده أو التسميع به ، وهذا ينظر إلى ما بنوا عليه أنّ الآية نزلت في صيد غشيهم في سفرهم عام الحديبية يغشاهم في رحالهم وخيامهم ، أي كانوا متمكّنين من أخذه بدون رقيب ، أو يكون الصيد المحذّر من صيده مماثلا لذلك الصيد.
وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) تصريح بالتحذير الذي أومأ إليه بقوله (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) ، إذ قد أشعر قوله : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) أنّ في هذا الخبر تحذيرا من عمل قد تسبق النفس إليه. والإشارة بذلك إلى التحذير المستفاد من (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) ، أي بعد ما قدّمناه إليكم وأعذرنا لكم فيه ، فلذلك جاءت بعده فاء التفريع. والمراد بالاعتداء الاعتداء بالصيد ، وسمّاه اعتداء لأنّه إقدام على محرّم وانتهاك لحرمة الإحرام أو الحرم.
وقوله : (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، أي عقاب شديد في الآخرة بما اجترأ على الحرم أو على الإحرام أو كليهما ، وبما خالف إنذار الله تعالى ، وهذه إذا اعتدى ولم يتدارك اعتداءه بالتوبة أو الكفارة ، فالتوبة معلومة من أصول الإسلام ، والكفارة هي جزاء الصيد ، لأنّ الظاهر أنّ الجزاء تكفير عن هذا الاعتداء كما سيأتي. روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس : العذاب الأليم أنّه يوسع بطنه وظهره جلدا ويسلب ثيابه وكان الأمر كذلك به في الجاهلية». فالعذاب هو الأذى الدنيوي ، وهو يقتضي أنّ هذه الآية قرّرت ما كان يفعله