وقد أخبر أنّ الجزاء مثل ما قتل الصائد ، وذلك المثل من النعم ، وذلك أنّ الصيد إمّا من الدوابّ وإمّا من الطير ، وأكثر صيد العرب من الدوابّ ، وهي الحمر الوحشية وبقر الوحش والأروى والظباء ومن ذوات الجناح النعام والإوز ، وأمّا الطير الذي يطير في الجوّ فنادر صيده ، لأنّه لا يصاد إلّا بالمعراض ، وقلّما أصابه المعراض سوى الحمام الذي بمكة وما يقرب منها ، فمماثلة الدوابّ للأنعام هيّنة. وأمّا مماثلة الطير للأنعام فهي مقاربة وليست مماثلة ؛ فالنعامة تقارب البقرة أو البدنة ، والإوز يقارب السخلة ، وهكذا. وما لا نظير له كالعصفور فيه القيمة. وهذا قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : المثل القيمة في جميع ما يصاب من الصيد. والقيمة عند مالك طعام. وقال أبو حنيفة : دارهم. فإذا كان المصير إلى القيمة ؛ فالقيمة عند مالك طعام يتصدّق به ، أو يصوم عن كلّ مدّ من الطعام يوما ، ولكسر المدّ يوما كاملا. وقال أبو حنيفة : يشتري بالقيمة هديا إن شاء ، وإن شاء اشترى طعاما ، وإن شاء صام عن كلّ نصف صاع يوما.
وقد اختلف العلماء في أنّ الجزاء هل يكون أقلّ ممّا يجزئ في الضحايا والهدايا. فقال مالك : لا يجزئ أقل من ثني الغنم أو المعز لأنّ الله تعالى قال : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ). فما لا يجزئ أن يكون هديا من الأنعام لا يكون جزاء ، فمن أصاب من الصيد ما هو صغير كان مخيّرا بين أن يعطي أقلّ ما يجزي من الهدي من الأنعام وبين أن يعطي قيمة ما صاده طعاما ولا يعطي من صغار الأنعام.
وقال مالك في «الموطأ» : وكلّ شيء فدي ففي صغاره مثل ما يكون في كباره. وإنّما مثل ذلك مثل دية الحرّ الصغير والكبير بمنزلة واحدة. وقال الشافعي وبعض علماء المدينة : إذا كان الصيد صغيرا كان جزاؤه ما يقاربه من صغار الأنعام لما رواه مالك في «الموطأ» عن أبي الزبير المكّي أنّ عمر بن الخطاب قضى في الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة. قال الحفيد ابن رشد في كتاب «بداية المجتهد» : وذلك ما روي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود اه.
وأقول : لم يصحّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك شيء ، فأمّا ما حكم به عمر فلعلّ مالكا رآه اجتهادا من عمر لم يوافقه عليه لظهور الاستدلال بقوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ). فإنّ ذلك من دلالة الإشارة ، ورأى في الرجوع إلى الإطعام سعة ، على أنّه لو كان الصيد لا مماثل له من صغار الأنعام كالجرادة والخنفساء لوجب الرجوع إلى الإطعام ، فليرجع إليه عند كون الصيد أصغر ممّا يماثله ممّا يجزئ في الهدايا. فمن العجب قول ابن العربي :