و (أَوْ) في قوله (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) وقوله : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ) تقتضي تخيير قاتل الصيد في أحد الثلاثة المذكورة. وكذلك كل أمر وقع ب «أو» في القرآن فهو من الواجب المخيّر. والقول بالتخيير هو قول الجمهور ، ثم قيل : الخيار للمحكوم عليه لا للحكمين. وهو قول الجمهور من القائلين بالتخيير ، وقيل : الخيار للحكمين. وقال به الثوري ، وابن أبي ليلى ، والحسن. ومن العلماء من قال : إنّه لا ينتقل من الجزاء إلى كفّارة الطعام إلّا عند العجز عن الجزاء ، ولا ينتقل عن الكفّارة إلى الصوم إلّا عند العجز عن الإطعام ، فهي عندهم على الترتيب. ونسب لابن عباس.
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر (كَفَّارَةٌ) ـ بالرفع بدون تنوين مضافا إلى طعام ـ كما قرأ (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ). والوجه فيه إمّا أن نجعله كوجه الرفع والإضافة في قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ) فنجعل (كَفَّارَةٌ) اسم مصدر عوضا عن الفعل وأضيف إلى فاعله ، أي يكفّره طعام مساكين ؛ وإمّا أن نجعله من الإضافة البيانية ، أي كفّارة من طعام ، كما يقال : ثوب خزّ ، فتكون الكفّارة بمعنى المكفّر به لتصحّ إضافة البيان ، فالكفّارة بيّنها الطعام ، أي لا كفّارة غيره فإنّ الكفّارة تقع بأنواع. وجزم بهذا الوجه في «الكشاف» ، وفيه تكلّف. وقرأه الباقون ـ بتنوين (كَفَّارَةٌ) ورفع (طَعامُ) على أنّه بدل من (كَفَّارَةٌ).
وقوله (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) عطف على (كَفَّارَةٌ) والإشارة إلى الطعام. والعدل ـ بفتح العين ـ ما عادل الشيء من غير جنسه. وأصل معنى العدل المساواة. وقال الراغب : إنّما يكون فيما يدرك بالبصيرة كما هنا. وأما العدل ـ بكسر العين ـ ففي المحسوسات كالموزونات والمكيلات ، وقيل : هما مترادفان. والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى (طَعامُ مَساكِينَ). وانتصب (صِياماً) على التمييز لأنّ في لفظ العدل معنى التقدير.
وأجملت الآية الصيام كما أجملت الطعام ، وهو موكول إلى حكم الحكمين. وقال مالك والشافعي : يصوم عن كلّ مدّ من الطعام يوما. وقال أبو حنيفة : عن كلّ مدّين يوما ، واختلفوا في أقصى ما يصام ؛ فقال مالك والجمهور : لا ينقص عن أعداد الأمداد أياما ولو تجاوز شهرين ، وقال بعض أهل العلم : لا يزيد على شهرين لأنّ ذلك أعلى الكفارات. وعن ابن عباس : يصوم ثلاثة أيام إلى عشرة.
وقوله (لِيَذُوقَ) متعلّق بقوله (فَجَزاءٌ) ، واللّام للتعليل ، أي جعل ذلك جزاء عن قتله الصيد ليذوق وبال أمره.
والذوق مستعار للإحساس بالكدر. شبّه ذلك الإحساس بذوق الطعم الكريه كأنهم