اشتراه من بائع أو ناوله رجل حلال إيّاه ، لأنّه قد علم أنّ التحريم متعلّق بمباشرة المحرم قتله في حال الإصابة. وقد أكل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الحمار الذي صاده أبو قتادة ، كما في حديث «الموطأ» عن زيد بن أسلم. وأمر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بقسمة الحمار الذي صاده زيد البهزي بين الرفاق وهم محرمون. وعلى ذلك مضى عمل الصحابة ، وهو قول.
وأمّا ما صيد لأجل المحرم فقد ثبت أنّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ردّ على الصعب بن جثّامة حمارا وحشيا أهداه إليه وقال له : «إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم». وقد اختلف الفقهاء في محل هذا الامتناع. فقيل : يحرم أن يأكله من صيد لأجله لا غير. وهذا قول عثمان بن عفّان ، وجماعة من فقهاء المدينة ، ورواية عن مالك ، وهو الأظهر ، لأنّ الظاهر أنّ الضمير
في قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّما لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم» أنّه عائد إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وحده ، لقوله «لم نردّه» ، وإنّما ردّه هو وحده. وقيل : يحرم على المحرم أكل ما صيد لمحرم غيره ، وهو قول بعض أهل المدينة ، وهو المشهور عن مالك. وكأنّ مستندهم في ذلك أنّه الاحتياط وقيل : لا يأكل المحرم صيدا صيد في مدّة إحرامه ويأكل ما صيد قبل ذلك ، ونسب إلى علي بن أبي طالب وابن عباس ، وقيل : يجوز للمحرم أكل الصيد مطلقا ، وإنّما حرّم الله قتل الصيد ، وهو قول أبي حنيفة. والحاصل أنّ التنزّه عن أكل الصيد الذي صيد لأجل المحرم ثابت في السنّة بحديث الصعب بن جثّامة ، وهو محتمل كما علمت. والأصل في الامتناع الحرمة لأنّه ، لو أراد التنزّه لقال : أمّا أنا فلا آكله ، كما قال في حديث خالد بن الوليد في الضبّ.
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧))
استئناف بياني لأنّه يحصل به جواب عمّا يخطر في نفس السامع من البحث عن حكمة تحريم الصيد في الحرم وفي حال الإحرام ، بأنّ ذلك من تعظيم شأن الكعبة التي حرّمت أرض الحرم لأجل تعظيمها ، وتذكير بنعمة الله على سكّانه بما جعل لهم من الأمن في علائقها وشعائرها.
والجعل يطلق بمعنى الإيجاد ، فيتعدّى إلى مفعول واحد ، كما في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ، في سورة الأنعام [١] ، ويطلق بمعنى التصيير فتعدّى إلى