والخروج إلى الجهاد ، والتكاليف التي كلّفه الله بها مثل قيام الليل ، فتعيّن أنّ معنى القصر : ما عليه إلّا البلاغ ، أي دون إلجائكم إلى الإيمان ، فالقصر إضافي فلا ينافي أنّ على الرسول أشياء كثيرة. والإتيان بحرف (على) دون (اللام) ونحوها مؤذن بأنّ المردود شيء يتوهّم أنّه لازم للرسول من حيث إنّه يدّعي الرسالة عن الله تعالى.
وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) عطف على جملة (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). وهي تتميم للتعريض بالوعيد والوعد تذكيرا بأنّه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ظاهرها وباطنها. وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي هنا لإفادة تقوّي الحكم وليس لإفادة التخصيص لنبوّ المقام عن ذلك.
وذكر (ما تُبْدُونَ) مقصود منه التعميم والشمول مع (ما تَكْتُمُونَ) وإلّا فالغرض هو تعليمهم أنّ الله يعلم ما يسرّونه أمّا ما يبدونه ، فلا يظنّ أنّ الله لا يعلمه.
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠))
لما آذن قوله : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : ٩٨] وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) [المائدة : ٩٩] بأنّ الناس فريقان : مطيعون وعصاة ، فريق عاندوا الرسول ولم يمتثلوا ، وهم من بقي من أهل الشرك ومن عاضدهم من المنافقين ، وربما كانوا يظهرون للقبائل أنّهم جمع كثير ، وأنّ مثلهم لا يكون على خطأ ، فأزال الله الأوهام التي خامرت نفوسهم فكانت فتنة أو حجّة ضالّة يموّه بها بعض منهم على المهتدين من المسلمين. فالآية تؤذن بأن قد وجدت كثرة من أشياء فاسدة خيف أن تستهوي من كانوا بقلّة من الأشياء الصالحة ، فيحتمل أن تكون تلك الكثرة كثرة عدد في الناس إذ معلوم في متعارف العرب في الجاهلية وفي أول الإسلام الاعتزاز بالكثرة والإعجاب بها. قال الأعشى :
ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنّما العزّة للكاثر |
وقال السموأل أو عبد الملك الحارثي :
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا
وقد تعجّب العنبري إذ لام قومه فقال :