وتفسير غيره ، فالشاة تسيّب للطواغيت ، وما ذكروه من ذبح ولدها أو ابنتها هو من فروع استحقاق تسييبها لتكون الآية شاملة لأحوالها كلّها. وعن ابن إسحاق : الوصيلة الشاة تتئم في خمسة أبطن عشرة إناث فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور منهم دون النساء إلّا أن يموت شيء منها فيشترك في أكله الرجال والنساء.
وفي «صحيح البخاري» عن سعيد بن المسيّب : أنّ الوصيلة من الإبل إذا بكّرت الناقة في أول إنتاج الإبل بأنثى ثم تثنّي بعد بأنثى في آخر العام فكانوا يجعلونها لطواغيتهم. وهذا قاله سعيد من نفسه ولم يروه عن النبي صلىاللهعليهوسلم. ووقع في سياق البخاري إيهام اغترّ به بعض الشارحين ونبّه عليه في «فتح الباري». وعلى الوجوه كلّها فالوصيلة فعيلة بمعنى فاعلة.
والحامي هو فحل الإبل إذا نتجت من صلبه عشرة أبطن فيمنع من أن يركب أو يحمل عليه ولا يمنع من مرعى ولا ماء. ويقولون : إنّه حمى ظهره ، أي كان سببا في حمايته ، فهو حام. قال ابن وهب عن مالك ، كانوا يجعلون عليه ريش الطواويس ويسيّبونه ، فالظاهر أنّه يكون بمنزلة السائبة لا يؤكل حتى يموت وينتفع بوبره للأصنام.
وقوله : (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) الاستدراك لرفع ما يتوهّمه المشركون من اعتقاد أنّها من شرع الله لتقادم العمل بها منذ قرون. والمراد بالذين كفروا هنا جميع المشركين فإنّهم يكذّبون في نسبة هذه الأشياء إلى شعائر الله لأنّهم جميعا يخبرون بما هو مخالف لما في الواقع. والكذب هو الخبر المخالف للواقع.
والكفّار فريقان خاصّة وعامّة : فأمّا الخاصّة فهم الذين ابتدعوا هذه الضلالات لمقاصد مختلفة ونسبوها إلى الله ، وأشهر هؤلاء وأكذبهم هو عمرو بن عامر بن لحيّ ـ بضم اللام وفتح الحاء المهملة وياء مشدّدة ـ الخزاعي ، ففي الصحيح قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجرّ قصبه ـ بضم القاف وسكون الصاد المهملة ـ أي أمعاءه في النار ، وكان أول من سيّب السوائب. ومنهم جنادة بن عوف (١). وعن مالك أنّ منهم رجلا من بني مدلج هو أول من بحّر البحيرة وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : رأيته مع عمرو في النار. رواه ابن العربي. وفي رواية أنّ عمرو بن لحي أول من بحّر البحيرة وسيّب
__________________
(١) هو جنادة بن أمية بن عوف من بني مالك بن كنانة وهم نسأة الشهور. وجنادة هذا أدركه الإسلام وهو القائم بالنسيء.