بقوله : (جَمِيعاً) للتنصيص على العموم وأن ليس الكلام على التغليب. والمراد بالإنباء بما كانوا يعملون الكناية عن إظهار أثر ذلك من الثواب للمهتدي الداعي إلى الخير ، والعذاب للضالّ المعرض عن الدعوة.
والمرجع مصدر ميمي لا محالة ، بدليل تعديته ب (إِلَى) ، وهو ممّا جاء من المصادر الميمية ـ بكسر العين ـ على القليل ، لأنّ المشهود في الميمي من يفعل ـ بكسر العين ـ أن يكون مفتوح العين.
[١٠٦ ـ ١٠٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧))
استؤنفت هذه الآي استئنافا ابتدائيا لشرع أحكام التوثّق للوصية لأنّها من جملة التشريعات التي تضمّنتها هذه السورة ، تحقيقا لإكمال الدين ، واستقصاء لما قد يحتاج إلى علمه المسلمون وموقعها هنا سنذكره.
وقد كانت الوصية مشروعية بآية البقرة [١٨٠](كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ). وتقدّم القول في ابتداء مشروعيتها وفي مقدار ما نسخ من حكم تلك الآية وما أحكم في موضعه هنالك. وحرص رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الوصية وأمر بها ، فكانت معروفة متداولة منذ عهد بعيد من الإسلام. وكانت معروفة في الجاهلية كما تقدّم في سورة البقرة. وكان المرء يوصي لمن يوصي له بحضرة ورثته وقرابته فلا يقع نزاع بينهم بعد موته مع ما في النفوس من حرمة الوصية والحرص على إنفاذها حفظا لحقّ الميّت إذ لا سبيل له إلى تحقيق حقّه ، فلذلك استغنى القرآن عن شرع التوثّق لها بالإشهاد ، خلافا لما تقدّم به من بيان التوثّق في التبايع بآية (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢] والتوثّق في الدين بآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) [البقرة : ٢٨٢] إلخ فأكملت هذه الآية بيان التوثّق للوصية اهتماما بها ولجدارة الوصية بالتوثيق لها لضعف الذياد عنها لأنّ البيوع والديون فيها جانبان عالمان بصورة ما انعقد فيها ويذبّان عن مصالحهما فيتّضح الحقّ من