دوس). فقال : لا ، أنا ضامن ، فأسلمت ، ونحو ذلك ، فقد يكون منهم من استمرّ على ذبح بعض الذبائح على الأنصاب التي في قبائلهم على نيّة التداوي والانتشار ، فأراد الله تنبيههم وتأكيد تحريم ذلك وإشاعته. ولذلك ذكر في صدر هذه السورة وفي آخرها عند قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة : ٩٠] الآيات.
(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ).
الشأن في المعطف التناسب بين المتعاطفات ، فلا جرم أنّ هذا المعطوف من نوع المتعاطفات التي قبله ، وهي المحرّم أكلها. فالمراد هنا النهي عن أكل اللحم الذي يستقسمون عليه بالأزلام ، وهو لحم جزور الميسر لأنّه حاصل بالمقامرة ، فتكون السين والتاء في (تَسْتَقْسِمُوا) مزيدتين كما هما في قولهم : استجاب واستراب. والمعنى : وأن تقسموا اللحم بالأزلام.
ومن الاستقسام بالأزلام ضرب آخر كانوا يفعلونه في الجاهلية يتطلّبون به معرفة عاقبة فعل يريدون فعله : هل هي النجاح والنفع أو هي خيبة وضرّ؟. وإذ قد كان لفظ الاستقسام يشمله فالوجه أن يكون مرادا من النهي أيضا ، على قاعدة استعمال المشترك في معنييه ، فتكون إرادته إدماجا وتكون السين والتاء للطلب ، أي طلب القسم. وطلب القسم ـ بالكسر ـ أي الحظّ من خير أو ضدّه ، أي طلب معرفته. كان العرب ، كغيرهم من المعاصرين ، مولعين بمعرفة الاطّلاع على ما سيقع من أحوالهم أو على ما خفي من الأمور المكتومة ، وكانوا يتوهّمون بأنّ الأصنام والجنّ يعلمون تلك المغيّبات فسوّلت سدنة الأصنام لهم طريقة يموّهون عليهم بها فجعلوا أزلاما. والأزلام جمع زلم ـ بفتحتين ـ ويقال له : قدح ـ بكسر القاف وسكون الدال ـ وهو عود سهم لا حديدة فيه.
وكيفية استقسام الميسر : المقامرة على أجزاء جزور ينحرونه ويتقامرون على أجزائه ، وتلك عشرة سهام تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية في سورة البقرة [٢١٩]. وكان مقتضى الظاهر أن يقال : وما استقسمتم عليه بالأزلام ، فغيّر الأسلوب وعدل إلى (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) ، ليكون أشمل للنهي عن طريقتي الاستقسام كلتيهما ، وذلك إدماج بديع.
وأشهر صور الاستقسام ثلاثة قداح : أحدها مكتوب عليه «أمرني ربّي» ، وربما كتبوا عليه «افعل» ويسمّونه الآمر. والآخر : مكتوب عليه «نهاني ربّي» ، أو «لا تفعل» ويسمّونه