معطوف على (فِي الْمَهْدِ) لأنّه حال أيضا ، كقوله تعالى : (دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) [يونس : ١٢]. والمهد والكهل تقدّما في تفسير سورة آل عمران. وتكليمه كهلا أريد به الدعوة إلى الدين فهو من التأييد بروح القدس ، لأنّه الذي يلقي إلى عيسى ما يأمره الله بتبليغه.
وقوله : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) تقدّم القول في نظيره في سورة آل عمران ، وكذلك قوله (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ ـ إلى قوله ـ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) تقدّم القول في نظيره هنالك.
إلّا أنّه قال هنا (فَتَنْفُخُ فِيها) وقال في سورة آل عمران [٤٩](فَأَنْفُخُ فِيهِ). فعن مكّي بن أبي طالب أنّ الضمير في سورة آل عمران عاد إلى الطير ، والضمير في هذه السورة عاد إلى الهيئة. واختار ابن عطية أن يكون الضمير هنا عائدا إلى ما تقتضيه الآية ضرورة. أي بدلالة الاقتضاء. وذلك أنّ قوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) يقتضي صورا أو أجساما أو أشكالا ، وكذلك الضمير المذكّر في سورة آل عمران [٤٩] يعود على المخلوق الذي يقتضيه (أَخْلُقُ). وجعله في «الكشاف» عائدا إلى الكاف باعتبار كونها صفة للفظ هيئة المحذوف الدّال عليه لفظ هيئة المدخول للكاف وكلّ ذلك ناظر إلى أنّ الهيئة لا تصلح لأن تكون متعلّق (فَتَنْفُخُ) ، إذ الهيئة معنى لا ينفخ فيها ولا تكون طائرا.
وقرأ نافع وحده فتكون طائرا بالإفراد كما قرأ في سورة آل عمران. وتوجيهها هنا أنّ الضمير جرى على التأنيث فتعيّن أن يكون المراد وإذ تخلق ، أي تقدّر هيئة كهيئة الطير فتكون الهيئة طائرا ، أي كلّ هيئة تقدّرها تكون واحدا من الطير.
وقرأ البقية «طيرا» ـ بصيغة اسم الجمع ـ باعتبار تعدّد ما يقدّره من هيئات كهيئة الطير.
وقال هنا (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى) ولم يقل : (وَأُحْيِ)(١)(الْمَوْتى) ، كما قال في سورة آل عمران [٤٩] ، أي تخرجهم من قبورهم أحياء ، فأطلق الإخراج وأريد به لازمه وهو الإحياء ، لأنّ الميّت وضع في القبر لأجل كونه ميّتا فكان إخراجه من القبر ملزوما الانعكاس السبب الذي لأجله وضع في القبر. وقد سمّى الله الإحياء خروجا في قوله : (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) [ق : ١١] وقال : (إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ
__________________
(١) في المطبوعة : (وتحيى) وهو خطأ.