مُخْرَجُونَ)(١) [المؤمنون : ٣٥].
وقوله : (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ) عطف على (إِذْ أَيَّدْتُكَ) وما عطف عليه. وهذا من أعظم النعم ، وهي نعمة العصمة من الإهانة ؛ فقد كفّ الله عنه بني إسرائيل سنين ، وهو يدعو إلى الدين بين ظهرانيهم مع حقدهم وقلّة أنصاره ، فصرفهم الله عن ضرّه حتى أدّى الرسالة ، ثمّ لمّا استفاقوا وأجمعوا أمرهم على قتله عصمه الله منهم فرفعه إليه ولم يظفروا به ، وماتت نفوسهم بغيظها. وقد دلّ على جميع هذه المدّة الظرف في قوله : (إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) فإنّ تلك المدّة كلّها مدّة ظهور معجزاته بينهم. وقوله : (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) تخلّص من تنهية تقريع مكذّبيه إلى كرامة المصدّقين به.
واقتصر من دعاوي تكذيبهم إيّاه على قولهم (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، لأنّ ذلك الادّعاء قصدوا به التوسّل إلى قتله ، لأنّ حكم الساحر في شريعة اليهود القتل إذ السحر عندهم كفر ، إذ كان من صناعة عبدة الأصنام ، فقد قرنت التوراة السحر وعرافة الجانّ بالشرك ، كما جاء في سفر اللاويّين في الإصحاح العشرين.
وقرأ الجمهور : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ) ، والإشارة ب (هذا) إلى مجموع ما شاهدوه من البيّنات. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف إلا ساحر. والإشارة إلى عيسى المفهوم من قوله : (إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ). ولا شك أنّ اليهود قالوا لعيسى كلتا المقالتين على التفريق أو على اختلاف جماعات القائلين وأوقات القول.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١))
يجوز أن يكون عطفا على جملة (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [المائدة : ١١٠] ، فيكون من جملة ما يقوله الله لعيسى يوم يجمع الرسل. فإنّ إيمان الحواريّين نعمة على عيسى إذ لو لم يؤمنوا به لما وجد من يتّبع دينه فلا يحصل له الثواب المتجدّد بتجدد اهتداء الأجيال بدينه إلى أن جاء نسخه بالإسلام.
والمراد بالوحي إلى الحواريّين إلهامهم عند سماع دعوة عيسى للمبادرة بتصديقه ، فليس المراد بالوحي الذي به دعاهم عيسى. ويجوز أن يكون الوحي الذي أوحي به إلى
__________________
(١) في المطبوعة : (أإذا متنا وكنّا ترابا وعظاما إنّا لمخرجون) وهو خطأ.