واسم (مائِدَةً) هو الخوان الموضوع عليه طعام ، فهو اسم لمعنى مركّب يدلّ على طعام وما يوضع عليه. والخوان ـ بكسر الخاء وضمّها ـ تخت من خشب له قوائم مجعول ليوضع عليه الطعام للأكل ، اتّفقوا على أنّه معرّب. قال الجواليقي : هو أعجمي. وفي حديث قتادة عن أنس قال : ما أكل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على خوان قطّ ، ولا في سكرّجة ، قال قتادة : قلت لأنس : فعلام كنتم تأكلون قال : على السّفر ، وقيل : المائدة اسم الطعام ، وإن لم يكن في وعاء ولا على خوان. وجزم بذلك بعض المحقّقين من أهل اللغة ، ولعلّه مجاز مرسل بعلاقة المحلّ. وذكر القرطبي أنّه لم تكن للعرب موائد إنّما كانت لهم السفرة. وما ورد في الحديث من قول ابن عباس في الضبّ : لو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله ، إنّما يعني به الطعام الموضوع على سفرة. واسم السفرة غلب إطلاقه على وعاء من أديم مستدير له معاليق ليرفع بها إذ أريد السفر به. وسمّيت سفرة لأنّها يتّخذها المسافر. وإنّما سأل الحواريّون كون المائدة منزّلة من السماء لأنّهم رغبوا أن تكون خارقة للعادة فلا تكون ممّا صنع في العالم الأرضي فتعيّن أن تكون من عالم علوي.
وقول عيسى حين أجابهم (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أمر بملازمة التقوى وعدم تزلزل الإيمان ، ولذلك جاء ب (أَنْ) المفيدة للشكّ في الإيمان ليعلم الداعي إلى ذلك السؤال خشية أن يكون نشأ لهم عن شكّ في صدق رسولهم ، فسألوا معجزة يعلمون بها صدقه بعد أن آمنوا به ، وهو قريب من قوله تعالى لإبراهيم المحكي في قوله : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) ، أي ألم تكن غنيّا عن طلب الدليل المحسوس. فالمراد بالتقوى في كلام عيسى ما يشمل الإيمان وفروعه. وقيل : نهاهم عن طلب المعجزات ، أي إن كنتم مؤمنين فقد حصل إيمانكم فما الحاجة إلى المعجزة. فأجابوه عن ذلك بأنّهم ما أرادوا ذلك لضعف في إيمانهم إنّما أرادوا التيمّن بأكل طعام نزل من عند الله إكراما لهم ، ولذلك زادوا (مِنْها) ولم يقتصروا على (أَنْ نَأْكُلَ) إذ ليس غرضهم من الأكل دفع الجوع بل الغرض التشرّف بأكل من شيء نازل من السماء. وهذا مثل أكل أبي بكر من الطعام الذي أكل منه ضيفه في بيته حين انتظروه بالعشاء إلى أن ذهب جزء من الليل ، وحضر أبو بكر وغضب من تركهم الطعام ، فلمّا أخذوا يطعمون جعل الطعام يربو فقال أبو بكر لزوجه : ما هذا يا أخت بني فراس. وحمل من الغد بعض ذلك الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأكل منه.
ولذلك قال الحواريّون : (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) أي بمشاهدة هذه المعجزة فإنّ الدليل الحسي أظهر في النفس ، (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) ، أي نعلم علم ضرورة لا علم استدلال