فيحصل لهم العلمان ، (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) ، أي من الشاهدين على رؤية هذه المعجزة فنبلّغها من لم يشهدها. فهذه أربع فوائد لسؤال إنزال المائدة ، كلّها درجات من الفضل الذي يرغب فيه أمثالهم.
وتقديم الجارّ والمجرور في قوله (عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) للرعاية على الفاصلة.
[١١٤ ، ١١٥] (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥))
إن كان قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) [المائدة : ١١٢] من تمام الكلام الذي يلقيه الله على عيسى يوم يجمع الله الرسل كانت هذه الجملة وهي (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً) إلخ ... معترضة بين جملة (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) [المائدة : ١١١] وجملة (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] الآية.
وإن كان قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ) [المائدة : ١١٢] الآية ابتداء كلام بتقدير فعل اذكر كانت جملة : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا) الآية مجاوبة لقول الحواريّين (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) [المائدة : ١١٢] الآية على طريقة حكاية المحاورات.
وقوله : (اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً) اشتمل على نداءين ، إذ كان قوله : (رَبَّنا) بتقدير حرف النداء. كرّر النداء مبالغة في الضراعة. وليس قوله : (رَبَّنا) بدلا ولا بيانا من اسم الجلالة ، لأنّ نداء (اللهُمَ) لا يتبع عند جمهور النحاة لأنّه جار مجرى أسماء الأصوات من أجل ما لحقه من التغيير حتى صار كأسماء الأفعال. ومن النحاة من أجاز اتباعه ، وأيّا ما كان فإنّ اعتباره نداء ثانيا أبلغ هنا لا سيما وقد شاع نداء الله تعالى (رَبَّنا) مع حذف حرف النداء كما في الآيات الخواتم من سورة آل عمران. وجمع عيسى بين النداء باسم الذات الجامع لصفات الجلال وبين النداء بوصف الربوبية له وللحواريّين استعطافا لله ليجيب دعاءهم.
ومعنى (تَكُونُ لَنا عِيداً) أي يكون تذكّر نزولها بأن يجعلوا اليوم الموافق يوم نزولها من كلّ سنة عيدا ، فإسناد الكون عيدا للمائدة إسناد مجازي ، وإنّما العيد اليوم الموافق