الناهي. والثالث : غفل ـ بضم الغين المعجمة وسكون الفاء أخت القاف ـ أي متروك بدون كتابة. فإذا أراد أحدهم سفرا أو عملا لا يدري أيكون نافعا أم ضارّا ، ذهب إلى سادن صنمهم فأجال الأزلام ، فإذا خرج الذي عليه كتابة ، فعلوا ما رسم لهم ، وإذا خرج الغفل أعادوا الإجالة. ولمّا أراد امرؤ القيس أن يقوم لأخذ ثار أبيه حجر ، استقسم بالأزلام عند ذي الخلصة ، صنم خثعم ، فخرج له الناهي فكسر القداح وقال :
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا |
|
مثلي وكان شيخك المقبورا |
لم تنه عن قتل العداة زورا وقد
ورد ، في حديث فتح مكة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجد صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام فقال : «كذبوا والله إن استقسم بها قطّ» وهم قد اختلقوا تلك الصورة ، أو توهّموها لذلك ، تنويها بشأن الاستقسام بالأزلام ، وتضليلا للناس الذين يجهلون. وكانت لهم أزلام أخرى عند كلّ كاهن من كهانهم ، ومن حكّامهم ، وكان منها عند (هبل) في الكعبة سبعة قد كتبوا على كلّ واحد شيئا من أهمّ ما يعرض لهم في شئونهم ، كتبوا على أحدها العقل في الدية ، إذا اختلفوا في تعيين من يحمل الدية منهم ؛ وأزلام لإثبات النسب ، مكتوب على واحد «منكم» ، وعلى واحد «من غيركم» ، وفي آخر «ملصق». وكانت لهم أزلام لإعطاء الحقّ في المياه إذا تنازعوا فيها. وبهذه استقسم عبد المطلب حين استشار الآلهة في فداء ابنه عبد الله من النّذر الذي نذره أن يذبحه إلى الكعبة بعشرة من الإبل ، فخرج الزلم على عبد الله فقالوا له : أرض الآلهة فزاد عشرة حتّى بلغ مائة من الإبل فخرج الزّلم على الإبل فنحرها. وكان الرجل قد يتّخذ أزلاما لنفسه ، كما ورد في حديث الهجرة «أنّ سراقة ابن مالك لمّا لحق النبي صلىاللهعليهوسلم ليأتي بخبره إلى أهل مكة استقسم بالأزلام فخرج له ما يكره».
والإشارة في قوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) راجعة إلى المصدر وهو (أَنْ تَسْتَقْسِمُوا). وجيء بالإشارة للتنبيه عليه حتّى يقع الحكم على متميّز معيّن.
والفسق : الخروج عن الدين ، وعن الخير ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) في سورة البقرة [٢٦].
وجعل الله الاستقسام فسقا لأنّ منه ما هو مقامرة ، وفيه ما هو من شرائع الشرك ، لتطلّب المسبّبات من غير أسبابها ، إذ ليس الاستقسام سببا عاديّا مضبوطا ، ولا سببا