متعلّق ب (دُمْتُ) ، أي بينهم ، وليس خبرا ل (دام) على الأظهر ، لأنّ (دام) التي تطلب خبرا هي التي يراد منها الاستمرار على فعل معيّن هو مضمون خبرها ، أمّا هي هنا فهي بمعنى البقاء ، أي ما بقيت فيهم ، أي ما بقيت في الدنيا.
ولذلك فرّع عنه قوله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ، أي فلمّا قضيت بوفاتي ، لأنّ مباشر الوفاة هو ملك الموت. والوفاة الموت ، وتوفّاه الله أماته ، أي قضى به وتوفّاه ملك الموت قبض روحه وأماته.
وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) في سورة آل عمران [٥٥]. والمعنى: أنّك لمّا توفّيتني قد صارت الوفاة حائلا بيني وبينهم فلم يكن لي أن أنكر عليهم ضلالهم ، ولذلك قال (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ، فجاء بضمير الفصل الدّال على القصر ، أي كنت أنت الرقيب لا أنا إذ لم يبق بيني وبين الدنيا اتّصال. والمعنى أنّك تعلم أمرهم وترسل إليهم من يهديهم متى شئت. وقد أرسل إليهم محمدا صلىاللهعليهوسلم وهداهم بكلّ وجوه الاهتداء. وأقصى وجوه الاهتداء إبلاغهم ما سيكون في شأنهم يوم القيامة.
وقوله : (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) تذييل ، والواو اعتراضية إذ ليس معطوفا على ما تقدّم لئلّا يكون في حكم جواب (فَلَمَّا).
وقوله : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فوّض أمرهم إلى الله فهو أعلم بما يجازيهم به لأنّ المقام مقام إمساك عن إبداء رغبة لشدّة هول ذلك اليوم ، وغاية ما عرّض به عيسى أنه جوّز المغفرة لهم رحمة منه بهم.
وقوله : (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ذكر العزيز كناية عن كونه يغفر عن مقدرة ، وذكر الحكيم لمناسبته للتفويض ، أي المحكم للأمور العالم بما يليق بهم.
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩))
جواب عن قول عيسى ، فلذلك فصلت الجملة على طريقة الحوار. والإشارة إلى يوم القيامة وهو حاضر حين تجري هذه المقاولة.
وجملة : (يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) مضاف إليها (يَوْمُ) ، أي هذا يوم نفع الصدق. وقد قرأ غير نافع من العشرة (يَوْمُ) ـ مضموما ضمّة رفع ـ لأنّه خبر (هذا). وقرأه نافع