ثور ، وإسحاق. وقال جماعة من الصحابة : إذا أكل الجارح لم يضرّ أكله ، ويؤكل ما بقي. وهو قول مالك وأصحابه : لحديث أبي ثعلبة الخشني ، في «كتاب أبي داود» : أنّه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «وإن أكل منه». ورام بعض أصحابنا أن يحتجّ لهذا بقوله تعالى : (مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) حيث جاء بمن المفيدة للتبعيض ، المؤذنة بأنّه يؤكل إذا بقي بعضه ، وهو دليل واه فقد ذكرنا آنفا أنّ (من) تدخل على الاسم في مثل هذا وليس المقصود التّبعيض ، والكلب أو الجارح ، إذا أشلاه القنّاص فانشلى ، وجاء بالصيد إلى ربّه. فهو قد أمسكه عليه وإن كان قد أكل منه ، فقد يأكل لفرط جوع أو نسيان. ونحا بعضهم في هذا إلى تحقيق أنّ أكل الجارح من الصيد هل يقدح في تعليمه ، والصواب أنّ ذلك لا يقدح في تعليمه ، إذا كانت أفعاله جارية على وفق أفعال الصيد ، وإنما هذا من الفلتة أو من التهوّر. ومال جماعة إلى الترخيص في ذلك في سباع الطير خاصّة ، لأنّها لا تفقه من التعليم ما يفقه الكلب ، وروي هذا عن ابن عباس ، وحمّاد ، والنخعي ، وأبي حنيفة ، وأبي ثور.
وقد نشأ عن شرط تحقّق إمساكه على صاحبه مسألة لو أمسك الكلب أو الجارح صيدا لم يره صاحبه وتركه ورجع دونه ، ثم وجد الصائد بعد ذلك صيدا في الجهة التي كان يجوسها الجارح أو عرف أثر كلبه فيه ؛ فعن مالك : لا يؤكل ، وعن بعض أصحابه : يؤكل. وأمّا إذا وجد الصائد سهمه في مقاتل الصيد فإنّه يؤكل لا محالة.
وأحسب أنّ قوله تعالى : (مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) احتراز عن أن يجد أحد صيدا لم يصده هو ، ولا رأى الجارح حين أمسكه ، لأنّ ذلك قد يكون موته على غير المعتاد فلا يكون ذكاة ، وأنّه لا يحرم على من لم يتصدّ للصيد أن يأكل صيدا رأى كلب غيره حين صاده إذا لم يجد الصائد قريبا ، أو ابتاعه من صائده ، أو استعطاه إيّاه.
وقوله : (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) أمر بذكر الله على تعالى الصيد ، ومعناه أن يذكره عند الإرسال لأنه قد يموت بجرح الجارح ، وأمّا إذا أمسكه حيّا فقد تعيّن ذبحه فيذكر اسم الله عليه حينئذ. ولقد أبدع إيجاز كلمة «عليه» ليشمل الحالتين. وحكم نسيان التسمية وتعمّد تركها معلوم من كتب الفقه والخلاف ، والدين يسر.
وقد اختلف الفقهاء : في أنّ الصيد رخصة ، أو صفة من صفات الذكاة. فالجمهور ألحقوه بالذكاة ، وهو الراجح ، ولذلك أجازوا أكل صيد الكتابي دون المجوسي. وقال مالك : هو رخصة للمسلمين فلا يؤكل صيد الكتابيّ ولا المجوسي ولا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا