التقذّر. والتذكية هي المحتاجة إلى الدّين والنية ، فلمّا كان القياس أن لا تجوز ذبائحهم رخص الله فيها على هذه الأمّة وأخرجها عن القياس. وأراد بالقياس قياس أحوال ذبائحهم على أحوالهم المخالفة لأحوالنا ، ولهذا قال كثير من العلماء : أراد الله هنا بالطعام الذبائح ، مع اتّفاقهم على أنّ غيرها من الطعام مباح ، ولكن هؤلاء قالوا : إنّ غير الذبائح ليس مرادا ، أي لأنّه ليس موضع تردّد في إباحة أكله. والأولى حمل الآية على عمومها فتشمل كلّ طعام قد يظن أنّه محرّم علينا إذ تدخله صنعتهم ، وهم لا يتوقّون ما نتوقّى ، وتدخله ذكاتهم وهم لا يشترطون فيها ما نشترطه. ودخل في طعامهم صيدهم على الأرجح.
و (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : هم أتباع التوراة والإنجيل ، سواء كانوا ممّن دعاهم موسى وعيسى ـ عليهماالسلام ـ إلى اتّباع الدين ، أم كانوا ممّن اتّبعوا الدينيين اختيارا ؛ فإنّ موسى وعيسى ودعوا بني إسرائيل خاصّة ، وقد تهوّد من العرب أهل اليمن ، وتنصّر من العرب تغلب ، وبهراء ، وكلب ، ولخم ، ونجران ، وبعض ربيعة وغسّان ، فهؤلاء من أهل الكتاب عند الجمهور عدا عليّا بن أبي طالب فإنه قال : لا تحلّ ذبائح نصارى تغلب ، وقال : إنّهم لم يتمسّكوا من النصرانية بشيء سوى شرب الخمر. وقال القرطبي : هذا قول الشافعي ، وروى الربيع عن الشافعي : لا خير في ذبائح نصارى العرب من تغلب. وعن الشافعي : من كان من أهل الكتاب قبل البعثة المحمّدية فهو من أهل الكتاب ، ومن دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن فلا يقبل منه إلّا الإسلام ، ولا تقبل منه الجزية ، أي كالمشركين.
وأمّا المجوس فليسوا أهل كتاب بالإجماع ، فلا تؤكل ذبائحهم ، وشذّ من جعلهم أهل كتاب. وأمّا المشركون وعبدة الأوثان فليسوا من أهل الكتاب دون خلاف.
وحكمة الرخصة في أهل الكتاب : لأنّهم على دين إلهي يحرّم الخبائث ، ويتقي النجاسة ، ولهم في شئونهم أحكام مضبوطة متّبعة لا تظنّ بهم مخالفتها ، وهي مستندة للوحي الإلهي ، بخلاف المشركين وعبدة الأوثان. وأمّا المجوس فلهم كتاب لكنّه ليس بالإلهي ، فمنهم أتباع (زرادشت) ، لهم كتاب (الزندفستا) وهؤلاء هم محلّ الخلاف. وأمّا المجوس (المانويّة) فهم إباحية فلا يختلف حالهم عن حال المشركين وعبدة الأوثان ، أو هم شرّ منهم. وقد قال مالك : ما ليس فيه ذكاة من طعام المجوس فليس بحرام يعني إذا كانوا يتّقون النجاسة. وفي «جامع الترمذي» : أنّ أبا ثعلبة الخشني سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن